الأمر الأول
إعلم أنّ لأهل السنّة كتباً أشتهرتْ بينهم بالصّحاح الستّة، اهتمّوا بشأنها غاية الإهتمام وجعلوا رواياتها المدارك في مسائل الحلال والحرام وسائر الأحكام، وكتبوا عليها الشروح الكثيرة ودرّسوها ورووها بالأسانيد الغزيرة، وأثنوا عليها الثناء العظيم وعظّموها أكبر التعظيم، ونحن في هذا المقام نكتفي بكلام للشيخ أحمد وليّ اللّه المحدّث الدهلوي المتوفى سنة 1176 في بيان طبقات كتب الحديث، قال:
«هي باعتبار الصحّة والشهرة على أربع طبقات… فالطبقة الأولى منحصرة بالإستقراء في ثلاثة كتب: الموطأ وصحيح البخاري وصحيح مسلم… أمّا الصحيحان، فقد اتفق المحدّثون على أنّ جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع، وأنهما متواتران إلى مصنّفيهما، وأنه كلّ من يهوّن أمرهما فهو مبتدع متّبع غير سبيل المؤمنين… .
الطبقة الثانية: كتب لم تبلغ مبلغ الموطأ والصحيحين، ولكنّها تتلوها، كان مصنّفوها معروفين بالوثوق والعدالة والحفظ والتبحّر في فنون الحديث، ولم يرضوا في كتبهم هذه بالتساهل فيما اشترطوا على أنفسهم، فتلقّاها من بعدهم بالقبول، واعتنى بها المحدّثون والفقهاء طبقة بعد طبقة، واشتهرت فيما بين الناس، وتعلّق بها القوم شرحاً لغريبها وفحصاً عن رجالها واستنباطاً لفقهها، وعلى تلك الأحاديث بناء عامّة العلوم، كسنن أبي داود، وجامع الترمذي ومجتبى النسائي…
والطبقة الثالثة: مسانيد وجوامع ومصنفات، صُنِفتْ قبل البخاري ومسلم وفي زمانهما وبعدهما،… ولم تشتهر في العلماء ذلك الاشتهار… كمسند أبي علي، ومصنف عبدالرزاق، ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة… .
والطبقة الرابعة: كتب قصد مصنفوها ـ بعد قرون متطاولة ـ جمع ما لم يوجد في الطبقتين الأوليين، وكانت في المجاميع والمسانيد المختفية، فنوّهوا بأمرها… وهذه الطبقة مادّة كتاب الموضوعات لابن الجوزي…»(1).
(1) حجة اللّه البالغة 1 / 133 ـ 135.