فصل
وأما بيان إعراضهم عن الفقه شغلاً بشواذ الأحاديث، فقد رويت عنهم فيه عجائب: أخبرنا عبدالخالق البرسعي قال: أخبرنا محمّد بن مرزوق الزعفراني قال: اخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت(1) قال اخبرنا محمّد بن أحمد بن علي الدقاق قال: حدثنا أحمد بن إسحاق النهاوندي قال: حدثنا ابن خلاد قال: حدثنا أبو عمر أحمد بن محمّد بن سهيل قال: حدثني رجل من أهل العلم ـ قال ابن خلاد: ونسيت أنا اسمه ـ قال: وقفت امرأة على مجلس فيه يحيى بن معين وأبوخيثمة(2) وخلف ابن سالم(3) في جماعة يتذاكرون الحديث، فسمعتهم يقولون قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ورواه فلان، وما حدّث به غير فلان، فسألتهم عن الحائض تغسل الموتى ـ وكانت غاسلة ـ فلم يجبها أحد منهم، وجعل بعضهم ينظر إلى بعض، فأقبل أبو ثور(4)، فقالوا لها، عليك بالمقبل، فالتفتت إليه فسألته، فقال: نعم تغسل الميت بحديث عائشة: إن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لها: إن حيضتك ليست في يدك، ولقولها: كنت افرق رأس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالماء وأنا حائض. قال أبوثور: فإذا فرقت رأس الحي فالميت أولى به.
فقالوا: نعم رواه فلان،وحدثنا فلان، وخاضوا في الطرق. فقالت المرأة: فأين كنتم إلى الآن؟
أنبأنا محمّد بن ناصر قال: أنبأنا أحمد بن الحسن بن خيرون قال أخبرنا أحمد بن محمّد العتيقي قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه قال: أخبرنا سليمان بن إسحاق الجلاب(5) قال: حدثنا إبراهيم الحربي(6)قال: بلغني أن امرأة جاءت إلى علي بن داود(7) ـ وهو يحدث وبين يديه مقدار ألف نفس ـ فقالت له: حلفت بصدقة أزاري، فقال: بكم اشتريتيه؟ قالت: باثنين وعشرين درهماً، قال: اذهبي صومي اثنين وعشرين يوماً، قال: فلمّا مرّت جعل يقول: آه آه، غلطنا والله، أمرناها بكفارة الظهار.
أخبرنا عبدالرحمن بن محمّد القزاز قال: اخبرنا أحمد بن علي ابن ثابت قال: قرأت في كتاب أبي الفتح عبيدالله بن أحمد النحوي بخطه، قال سمعت القاضي أحمد بن كامل يقول: ماجمع أحد من أهل العلم ما جمع محمّد بن موسى البربري، وكان يحفظ إلاّ حديثين: حديث الطير وحديث تقتل عمار الفئة الباغية ودخلت عليه يوماً ـ وهو مغموم ـ فقلت له: مالك؟ فقال: فلانة ـ يعني امرأته ـ حملتني على أن أعتقت هذه الجارية، وقد بقيت لا أمة تخدمني ولا أحد يعينني، فقلت: وأي شيء مقدار ثمن هذه؟ قال: إن امرأتي دفعت إليّ دنانير اشتري لها بها جارية، فاشتريت هذه الجارية، فقلت: وتعتق مالا تملك؟ قال: كأنه لا يجوز؟! قلت: لا، الجارية لها على ملكها، فقال لي: فعل الله وفعل، يدعو لي(8).
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: اخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال سمعت البرقاني يقول: قال لي أبو بكر الأبهري الفقيه: كنت عند يحيى بن صاعد(9) فجاءته امرأة فقالت له: أيها الشيخ، ما تقول في بئر سقطت فيها دجاجة فماتت، هل الماء طاهر أم نجس؟ فقال يحيى: ويحك وكيف سقطت الدجاجة في البئر؟ قالت: لم تكن البئر مغطاة، فقال يحيى: ألا غطيتيها حتى لا يقع فيها شيء؟ قال الأبهري: فقلت: يا هذه، إن كان الماء تغير (فهو نجس)(10) وإلا فهو طاهر.
وذكر مثل هذا يطول، فلنقتصر على هذه النبذة.
(1) الخطيب البغدادي صاحب التاريخ وغيره المتوفى سنة 463، الكامل 10 / 68، العبر 2 / 314، طبقات الحفاظ 433 . . .
(2) زهير بن حرب المتوفى سنة 234، الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 153، الكاشف 1 / 407، تهذيب التهذيب 3 / 296 . . .
(3) أبومحمّد المهلبي المتوفى سنة 231 . تهذيب التهذيب 3 / 131، الكاشف 1 / 238، طبقات الحفاظ 211.
(4) إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه أحد الأعلام، المتوفى سنة 240، له ترجمة في مرآة الجنان 2 / 97، شذرات 2 / 93 تاريخ بغداد 6 / 63.
(5) في تلبيس ابليس: الحلاب.
(6) الامام الحافظ أبو إسحاق ابراهيم بن إسحاق البغدادي التوفى سنة 285. طبقات الحفاظ 263، تذكرة الحفاظ 2 / 584، العبر 1 / 410.
(7) المتوفى سنة 262 . تهذيب التهذيب 7 / 279.
(8) تاريخ بغداد 4 / 6 مع اختلاف يسير.
(9) يحيى بن محمّد بن صاعد الهاشمي البغدادي الحافظ المتوفى سنة 318، طبقات الحفاظ 327، تذكرة الحفاظ 2 / 776، العبر 2 / 478.
(10) من تلبيس ابليس 115.