فصل
وقد نسبني هذا الشيخ إلى أني قصدت دفع فضيلة أبي بكر.
وهذا قبيح لا يصدر الا من عامي لا يعرف مقادير العلماء، ولا يجوز أن يقال هذا عني لوجهين:
أحدهما: إني من أولاد أبي بكر، وأهلي يعلمون ذلك، وعندي خط شيخنا أبي الفضل ابن ناصر ينسبني إلى أبي بكر، فكيف أبخسنّ أبي حقه؟
والثاني: أنه قد علم الخلائق مذهبي ونصرتي السنة، وما عرف الناس حنبلياً سنياً لا يحب أبا بكر، وأصلي من نهر الفلاتين(1)، وربّاني أبوالفضل ابن ناصر(2) وأبوالحسن الراعوني(3)، وسمعت من المشايخ الحنابلة، وبينهم ربيت، واعتقادي اعتقادهم، وإن أبا بكر الصديق أفضل من جميع الصحابة(4)، ولي بحمدالله مائة وأربعون مصنفاً في كلّ فن من العلوم، وما أحسب هذا الشيخ يحسن مقواها، وأقول بحمد الله:
لو وصل هذا المصنف إلى مشايخي الذين استفدت منهم لاستفادوه، ولقد جمعته في خمسة أيام أكثرها في أشغال غيره، ولقد صنفت كتابي المسمى بـ(التلقيح) وقرأته على شيخنا أبي الفضل ابن ناصر ـ وأنا حينئذ صبي ـ فكتب لي بخطه على كتابي: قرأ عليّ فلان هذا الكتاب فوجدته قد أجاد تصنيفه، وأحسن تأليفه وجمعه، ولم يسبق إلى هذا الجمع ونظمه عقداً زان به التصانيف. في كلام كبير ختمه بالدعاء لي.
وحدثني الشيخ أبومحمّد عبدالعزيز بن الأخضر المحدّث عن شيخنا أبي الفضل ابن ناصر أنه كان يقول عني: إذا قرأ علي فلان استفدت بقراءته وأذكرني ما نسيته. ولقد كنت أردّ أشياء على شيخنا أبي الفضل فيقبلها مني.
ولا اُطيل في هذا فتكون تزكية لنفسي، وعلى العالم أن يقول الحق له وعليه، وهذه حالة جرت لأبي بكر، فأخبرنا بالصحيح، ولا وجه للومنا، ولو لا ما قصدته من إبانة الحق للمبتدئين لكان الإضراب عن إجابة الجهّال أولى.
تم الكتاب والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد خير خلقه ومظهر حقه، وعلى آله وأصحابه الكرام أجمعين.
(1) كذا والظاهر ان الصحيح هو: القلائين. انظر الخطيب 1 / 127 باب ذكر أنهار بغداد.
(2) هو: محمد بن ناصر البغدادي الحافظ المتوفي سنة 550. تذكرة الحفاظ /1289، المنتظم 18 / 103.
(3) كذا في النسخة، والصحيح: الزاغوني، وهو علي بن عبيدالله الفقيه الحنبلي شيخ الحنابلة . . . المتوفى سنة 527 . المنتظم 17 / 278، شذرات الذهب 4 / 80 .
(4) لقد وقع الخلاف بين المسلمين حول الأفضل من جميع الصحابة، فهل هو علي أو أبو بكر؟ فقالت طائفة بأن علياً هو الأفضل من جميعهم، وقال آخرون بأن أبا بكر أفضلهم: والذي عليه الشيعة الامامية ـ تبعاً لأهل البيت، ومعهم جماعة كبيرة من الصّحابة والتابعين ـ هو: إن علياً عليه السّلام أفضل من جميع الصحابة، وأنه الخليفة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بلا فصل، واستدلوا على ذلك بالادلة الكثيرة التي لا تحصي من الكتاب والسنة وغيرهما . . . والذي ينبغي أن يكون ملاكاً للأفضلية أمور أهمها: السبق إلى الإسلام، والجهاد في سبيل الله، والعصمة، والاعلمية . . . وقد ثبت بالاحاديث الواردة من طرق اهل السنة في كتبهم المعتبرة وجود هذه الصفات في امير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام دون غيره من الصحابة مطلقاً.
هذا فضلاً عن أحاديث الوصية وغيرها، وتفصيل البحث في كتب الامامة والكلام . . .