فصل
ومن كلامه الفاسد أنه قال: وما يضرّك لو قلت هذا؟ أكنت تأثم بهذا القول؟
وهذا كلام عامي، لأنا سئلنا عن الصحيح فلم يمكن أن نجازف، وعلى قياس قوله ينبغي أن يقال للشافعي: أي شيء يضرّك لو أوجبت مسح جميع الرأس؟ ويقال لأحمد: أي شيء يضرّك لو أوجبت القراءة على المأموم؟ ويقال لأبي حنيفة: أي شيء يضرّك لو أوجبت قراءة الفاتحة في الصّلاة؟ ويقال لمالك: أي شيء يضرّك لو قلت بخيار المجلس؟
وهذا كلام مغفل لا يدري أن اتباع الدليل هو اللاّزم، أتراه ما علم أن جمهور العلماء أخذوا في ميراث الجد بقول زيد وتركوا قول أبي بكر الصديق؟ فإن أبا بكر كان يجعله كالأب في إسقاطه الإخوة والأخوات، وكان زيد يجعله كأخ يقاسم به في كلّ حال إلى الثلث، فإن نقصه المقاسمة من الثلث فرضه له وجعل الباقي للإخوة والأخوات، وذهب إلى قول زيد: أهل المدينة، وأهل الشام، والزهري، والثوري، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبو يوسف، ومحمّد، وأبو عبيد، وتركوا قول أبي بكر الصديق. ولو أن هذا الشيخ رأى هؤلاء ـ وخصوصاً أحمد بن حنبل ـ قد خالفوا أبا بكر لقال: ما كان يضرّكم لو وافقتموه؟ وكيف آثرتم قول زيد على قول أبي بكر؟ فإن قالوا: اتبعنا الدليل، فربما هجرهم.
وقد قيل لأحمد بن حنبل: إن ابن المبارك لم يخالف في كذا وكذا؟
فقال: إن ابن المبارك لم ينزل من السماء، وقال: من ضيق علم الرجل أن يقلّد غيره.
وأبلغ من هذا: إن الحارث بن حوت قال لعلي بن أبي طالب: أتظن أنا نظنك على الحق وأن طلحة والزبير على الباطل؟!
فقال: ياحار، إنه ملبوس عليك، إعرف الحق تعرف أهله(1).
(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 210، وفي نهج البلاغة 4 / 63 بشرح محمّد عبده: وقيل ان الحارث ابن حوت أتاه فقال: أتراني أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟ فقال عليه السّلام: يا حارث إنك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك، فحرت، إنك لم تعرف الحق فتعرف من أتاه، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه، فقال الحارث: فإني اعتزل مع سعد بن مالك وعبدالله بن عمر. فقال عليه السّلام: إن سعداً وعبدالله بن عمر لم ينصرا الحق ولم يخذلا الباطل.