سرية اسامة
فمن تلك الأحداث: سرية اسامة بن زيد إلى غزو الروم، فلقد اهتم بها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم اهتماماً لم يكن منه بالنسبة إلى غيرها، إذ أمر أصحابه بالتهيؤلها، وحضّهم وحرّضهم على ذلك، ثم عبّأهم بنفسه، وكان فيهم وجوه المهاجرين والأنصار، كأبي بكر وعمرو أبي عبيدة وسعد بن أبي وقاص، وأمّر عليهم اسامة، وأمره بالخروج إلى موضع قتل أبيه زيد بن حارثة، وأمره صلّى الله عليه وآله وسلّم بإسراع السير، وعقد اللواء له بيده المباركة.
فتثاقل القوم فلم يبرحوا، بل طعنوا في تأميره صلّى الله عليه وآله وسلّم إياه عليهم، حتى غضب من ذلك غضباً شديداً، فخرج محموماً ألماً معصّب الرأس، وصعد المنبر، وكان مما قال:
أيها الناس، ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟ ولئن طعنتم في تأميري اسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، وأيم الله أن كان لخليقاً بالأمارة، وإن ابنه من بعد لخليق بها.
ثم حضّهم على التعجيل بالسير، ثم اشتدّ به المرض، فجعل يقول: جهّزوا جيش اسامة، أنفذوا جيش اسامة، أرسلوا بعث اسامة، لعن الله من تخلّف عنه . . .
ولقد توفي صلّى الله عليه وآله وسلّم والقوم ـ إلا من تنصّل منهم ـ بالمعسكر، حتى إذا سمعوا بذلك رجعوا باللواء إلى المدينة المنورة(1).
(1) يراجع السير والتواريخ وكتب العقائد والكلام . . .