الباب الخامس
في بيان نفي النقص عن أبي بكر الصديق
لعدم صلاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
خلفه وأن ما جرى من تأخره كان أفضل
قد ذكرنا في الأحاديث الصحاح أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أشار إلى أبي بكر ليثبت فلم يفعل، ولو ثبت لصلّى خلفه قطعاً بغير شك، وإنما تأخر أبو بكر تأدباً وتواضعاً، وقد قال: ما كان لابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وإذا كان الشيء كأنه قد كان، كان حكمه حكم ما كان، وحصلت هاهنا زيادة فضله بتواضعه واحتقاره نفسه أن يصلح لذلك، فتأخّره على سبيل التواضع أحسن من ثبوته، لأنه لو ثبت لرأى نفسه أهلاً لذلك، فلما تأخر لم ير نفسه أهلاً، ولو كانت صلاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خلف الشخص تقدّمه على غيره لكان عبدالرحمن بن عوف أفضل من أبي بكر، لأنه لا يختلف أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صلّى خلفه.
كلاّ، بل فضيلة أبي بكر ثابتة قبل ذلك الأمر وبعده، فهو المقدّم على جميع الصحابة بسابقته وفضله(1)، وهو المفتي بحضرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دون غيره من الصحابة(2) وهو المنصوص عليه في الصّلاة بالناس(3)، وكفى بذلك دليلاً على استحقاقه الخلافة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فما نقص من رتبته عدم ذلك(4).
(1) ستأتي الاشارة إلى ما في هذا الكلام . . .
(2) كأنه يرسله ارسال المسلم، ولكن الثابت ـ بالاحاديث الصحيحة ـ اختصاص علي عليه السّلام بهذه المنزلة، وهو مقتضى قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أقضاكم علي» وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب» وقول علي عليه السّلام: «سلوني قبل أن تفقدوني» وأمثالها وقد أخرج ذلك كله كبار الائمة والحفاظ، وللبحث فيه مجال آخر.
(3) قد عرفت ما فيه في المقدمة . . .
(4) أقول: ثبّت العرش ثم انقش . . .