الباب الثاني
في بيان اجماع الفقهاء على ذلك،
وتفريعهم المسائل عنه،
وأن مذهب أحمد بن حنبل وقوله لا يختلف في ذلك
روى أبو حفص عمر بن إبراهيم العكبري(1) في كتابه المسمى بـ(المقنع) على مذهب أحمد بن حنبل ونقلته من خطه قال: أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي قال: حدثنا رنحوته بن محمّد(2)قال حدثنا علي بن سعيد قال: سألت أحمد بن حنبل عن حديث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حين وجد من نفسه خفة فخرج فصلى إلى جنب أبي بكر، من كان الإمام منهم؟ قال: كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الإمام، خرج فجلس عن يسار أبي بكر، فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، والناس يأتمون بأبي بكر.
فقد نصّ أحمد على أنهما كانا إمامين.
وقال القاضي الامام أبو يعلى محمّد بن الحسين ابن الفراء(3) في كتابه (المجرد) في أول باب الامامة: لما مرض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم استخلف أبا بكر في الصلاة بالمسلمين، ثم وجد خفة فخرج للصّلاة، ولم يترك إمامة أبي بكر بالناس، بل كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إماماً لأبي بكر، وأبو بكر كان إمام الصحابة.
فهذا لفظه في (المجرد) ومراده أن الصلاة تصح بإمامين.
وقال القاضي أبو الحسين محمّد(4) ابن القاضي أبي يعلى في كتابه الذي صنفه في رؤوس المسائل وسماه (المجموع في الفروع) في باب الإمامة قال: لا تختلف الرواية عن أحمد بن حنبل أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لما خرج بعد استخلافه لأبي بكر في الصلاة أنه كان إماماً لأبي بكر، وأبو بكر إمام لجماعة المسلمين، فحصلت تلك الصلاة بإمامين.
قال: وقال أصحاب الشافعي: كان أبو بكر مأموماً قال: ويردّ على أصحاب الشافعي بحديث ابن عباس وفيه: كان أبو بكر يأتم برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والناس يأتمون بأبي بكر.
هذا لفظ القاضي أبي الحسين، ويكفي أنه بيّن أن المذهب لا يختلف في أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان إماماً لأبي بكر، ونعوذ بالله أن يخالف أحمد ما صح. ولو تعارضت عنده الأحاديث لجاز أن ينقل عنه روايتان، فلما كان مذهبه لا يختلف في ذلك دلّ على أن ما يروى في ضدّ ذلك لا أصل له.
وقول الشافعي: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان الإمام للكلّ موافق لقولنا، لكن نحن نقول: كان أبو بكر مأموماً برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إماماً للمسلمين، والشافعي يقول: بل كان مأموماً غير إمام. ومذهب مالك وأبي حنيفة مثل مذهبنا، وأن أبا بكر كان مأموماً لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إماماً للمسلمين.
وقد فرّع القاضي أبوالحسين على مذهب أحمد في هذه المسألة في كتابه الذي ذكرناه فقال: إذا ثبت أن الصّلاة وقعت بإمامين فهل تعمّ في نظيره من الأئمة أم هو خاص في تلك الصلاة؟ على ثلاث روايات عن أحمد، إحداهن: أنه خاصّ لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والثانية: يجوز في حق الإمام الأعظم، والثالثة: أنه عام في كلّ إمام راتب. قال: ووجه الرواية الاولى وأنه خاص قول أبي بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يؤم برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأقرّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على ذلك.
وقال المصنف قلت: وكون هذا مذهب أحمد من غير خلاف في مذهبه، وهذا التفريع عليه، ما طنّ على مسمع هذا الشيخ، إذ لو سمعه لم يكتب ما كتب، ولم يقل إنك قلت ما لم يقله أحد، وكيف؟ والقاضي أبوالحسين من أشياخه، وعليه قرأ، فوافضيحته لمخالفته النقل الصحيح، ولجهله بإجماع الفقهاء، خصوصاً الإمام أحمد الذي يدّعي أنه على مذهبه، ولاحتجاجه بأحاديث لا أصل لها، دلّ احتجاجه بها على عدم علمه بصحيح النقل، لاختياره الردي منه، فهو كمن قيل له: اختر شاة من القطيع فأخذ بأذن الذئب.
(1) المعروف بابن المسلم المتوفى سنة 387: فقيه حنبلي . . . الاعلام 5 / 38 عن طبقات الحنابلة 2 / 139 ـ 142.
(2) كذا والصحيح: زنجويه بن محمّد.
(3) المتوفى سنة 458 شيخ الحنابلة، وفقيه عصره، صاحب التصانيف: شذرات الذهب 3 / 306، المنتظم 16 / 98 وكتابه (المجرّد في مناقب الإمام أحمد) مذكور في كشف الظنون 2 / 1098.
(4) المتوفى سنة 527، كان من الفقهاء الزاهدين ومن الأخيار الصالحين . . . المنتظم 17 / 281، شذرات الذهب 4 / 79 وله كتاب طبقات الحنابلة أيضاً.