6 ـ لا يحلّ مال امرئ…
وأمّا ما دلّ على أنه لا يحلّ مال المسلم إلاّ عن طيب نفسه، فالذي في وسائل الشيعة باللّفظ التالي في خبر:
«لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه منه»(1).
والحليّة تارة: تكليفية في مقابل الحرمة التكليفية، وهذا يكون في موارد إسنادها إلى الفعل الاختياري، كأنْ يقال: يحلّ ذلك أن تأكل وتشرب… وهكذا… ولو أسند إلى الأعيان كأنْ يقال: يحلّ لك الماء، احتاج إلى تقدير الفعل الاختياري أي: شرب الماء، وكذلك الحرمة كقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ)(2).
واخرى: وضعيّة، وذلك يكون حيث تسند إلى الأعيان، ولا يقدر الفعل ولو بأصالة عدم التقدير.
وفي هذه الرواية، قد اسندت الحليّة إلى «المال»، فلو قدّر «التصرّف» كانت تكليفيّة، لكنّ الأصل عدم التقدير.
وإنْ شئت فقل: إن الرواية تدلّ على عدم الحليّة حيث لا طيب نفس، وعدم الحليّة مطلق يشمل الوضعية والتكليفية معاً.
والحاصل: إنّ نفس المال له حرمة واحترام.
هذا غاية ما يقال في تقريب الاستدلال بهذه الرواية على ضمان المنافع والأعمال المستوفاة إذا لم يقصد التبرّع.
والإنصاف: عدم إمكان المساعدة عليه، وذلك:
لأن إسناد الحليّة والحرمة إلى الأعيان قرينةٌ على إرادة الحكم التكليفي المتعلّق بها، فلو قيل: يحلُّ الماء ويحرم الخمر، أي: شربه، يحلّ الطّعام أو يحرم الطّعام، أي: أكله، وهكذا، في سائر الموارد، إذ يقدّر الفعل المناسب في كلٍّ منها.
هذا كلّه بناءً على ظاهر الرواية.
وأمّا بناءً على اللفظ الموجود في كلمات الفقهاء: «إلاّ عن طيب نفسه» فالإشكال أوضح، لأن ظاهر «عن طيب نفسه» صدور الفعل، فهو دالٌّ على الحكم التكليفي من دون تردّد.
(1) وسائل الشيعة 5 / 120، الباب 3 من أبواب مكان المصلّي، الرّقم: 1. وأنظر: الرّقم 3 من نفس الباب. ونفس المصدر 9 / 539، الباب 3 من أبواب الأنفال، الرّقم: 2، و 24 / 234، الباب 69 من أبواب الأطعمة المحرّمة، الرّقم: 3، وغوالي اللئالي 3 / 184 باب الجهاد، الرّقم: 9. وقد أوردنا النّصوص في الجزء الأوّل: 244 ـ 245، وبعض أسانيدها معتبر بلا كلام.
(2) سورة النساء: 23.