5 ـ قاعدة الاحترام
وأمّا قاعدة الاحترام، فمستندها الحديث:
عن أبي عبداللّه عليه السّلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وقف بمنى حتى قضى مناسكها في حجّة الوداع ـ إلى أنْ قال ـ فقال: أيّ يوم أعظم حرمة؟ فقالوا: هذا اليوم، فقال: فأيّ شهر أعظم حرمةً؟ فقالوا: هذا الشهر. قال: فأيّ بلد أعظم حرمةً؟ قالوا: هذا البلد. قال:
فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا…»(1).
وعن أبي جعفر الباقر عليه السّلام عن جابر بن عبداللّه الأنصاري في حديث: إنّ النّبي قال: «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم…»(2).
وعن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية للّه وحرمة ماله كحرمة دمه»(3).
وعن أبي ذر عن النّبي صلّى اللّه عليه وآله ـ في حديث ـ «يا أباذر، سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه من معاصي اللّه وحرمة ماله كحرمة دمه»(4).
ويمكن الاستدلال بها بوجهين:
أحدهما: إنه لو اُتلف مال المؤمن ولم يعوَّض عنه لزم ضياعه وذهابه هدراً، وهذا ينافي الاحترام، ولا ريب أنّ «المال» غير مختصّ بالأعيان، فمنفعة الدّار والدابّة مثلاً مال، وكذلك العمل، فإنه مال لأنه يبذل بأزائه المال، وتميل إليه النّفس، فلابدّ من دفع البدل عنهما وإلاّ يلزم هتك حرمتهما، فمقتضى احترام مال المؤمن المستوفى من دون رضاه، دفع البدل والعوض إليه.
والثاني: إنّ مقتضى تشبيه المال بالدم هو الضمان، فكما لا يذهب دم المؤمن هدراً وتجب الدية، كذلك ماله ويجب دفع العوض، سواء كان عيناً أو منفعة أو عملاً.
وكذلك الحال في السبّ والغيبة، فالحكم الوضعي ـ بالإضافة إلى الحكم التكليفي ـ ثابت.
وهذا غاية تقريب الاستدلال بقاعدة الاحترام في مسألة المنافع والأعمال، ثم نقول:
تارةً: يستأجر الدار بالإجارة الفاسدة ويسكن فيها أو الدابّة ويركبها، فلا ريب في الضمان وعليه دفع البدل، كما لو كان العقد صحيحاً، واخرى: يستأجر ولم ينتفع، فإنْ كان العقد صحيحاً، فلا كلام في الضّمان بأدلّة الإحترام، لأنه لا يذهب مال المؤمن هدراً، وأمّا إنْ كان فاسداً، والمفروض أنّه لم يذهب شيء من المال هدراً ولم يكن إتلافٌ، فلا موضوع لأدلّة الاحترام حتى يجب الضمان فيدفع البدل.
إذنْ، في موارد عدم الانتفاع، الإجارة الفاسدة ليست كالإجارة الصحيحة، إذ الضمان ثابتٌ في الصحيحة وإنْ لم ينتفع ولم يستعمل، أمّا في الفاسدة إذا لم ينتفع بالشيء ولم يستعمل الأجير فلا ضمان.
وتلخّص: أنْ لا كليّة لدليل الإحترام.
ولزيادة التوضيح نقول: إنّ معنى احترام مال المسلم وعمله هو ثبوت العوض له، وهذا يكون في موردين، أحدهما: أنْ يأمره بالعمل فيأتي به من غير أنْ يقصد التبرّع بل بقصد العوض، فالآمر ضامن للبدل بلا إشكال. والثاني: أنْ يقع العقد بينهما صحيحاً، ففي هذه الصورة يضمن المستأجر الأجر المسمّى، سواء انتفع أو استخدم الأجير أوْ لا.
وأمّا لو وقع العقد فاسداً، فإنْ حَمَله على العمل ضمن اُجرة المثل دون المسمّى، لفساد العقد، وإنْ عمل الأجير بلا طلب من المستأجر، بل لاعتقاده صحّة العقد وأنّ ذمّته مشغولة مثلاً، فلا دلالة لأدلّة الاحترام على الضّمان.
فالقاعدة منتقضة، والصحيح هو التفصيل.
(1) وسائل الشيعة 29 / 10، الباب 1 من أبواب القصاص في النفس، الرّقم: 3.
(2) بحار الأنوار 21 / 405.
(3) وسائل الشيعة 8 / 599، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، الرّقم: 12.
(4) وسائل الشيعة 8 / 598، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، الرّقم: 9.