4 ـ قاعدة السلطنة
الذي يمكن أن يقال هو: إنه لمّا كان الشرط هو الإلزام والإلتزام، أو كما قال الشيخ(1) ـ في الكلام على قوله صلّى اللّه عليه وآله: «المؤمنون عند شروطهم»(2) ـ إنّ الشرط لغةً: مطلق الالتزام، كانت المعاملة مبنيّة على الالتزام بالتملك بعوض من الطرفين، وحيث أن هذا البناء موجود كشرط ضمنيّ في المعاملة الفاسدة أيضاً، وإلاّ لما سلّم كلّ منهما ملكه للآخر، فاشتراط البدل والعوض موجود في المعاملة المعاوضيّة على كلّ حال، وعدم إمضاء الشارع للعقد الفاسد، إنما يمنع من ترتيب الأثر عليه، فلا يتعيّن البدل المسمّى للبدليّة، أمّا الالتزام بأصل البدل فباق على حاله بمقتضى الحديث المذكور.
وتلخص: أن المدرك للقاعدة ـ سواء كانت المعاملة صحيحة أو فاسدة ـ ليس قاعدة الإقدام ولا قاعدة اليد، بل هو قوله صلّى اللّه عليه وآله: «المؤمنون عند شروطهم» وليس غيره.
ثم إنّ الشيخ قد أشكل في الاستدلال بقاعدة اليد بأنها لا تشمل المنافع والأعمال، كمنافع الدار المستأجرة بعقد فاسد، أو أعمال الأجير في الإجارة الفاسدة.
لوضوح أنها لا تقع في حيّز اليد، وظاهر قوله: «على اليد ما أخذت» أنْ يكون الشيء قابلاً للأخذ باليد، مضافاً إلى اعتبار كون الشيء قابلاً للأداء، كما هو ظاهر «حتى تؤدي»، والمنافع والأعمال لا قابلية لها لذلك، لعدم كونها موجودةً في الخارج.
فقال المحقق الخراساني:
«مورده وإنْ كان مختصّاً بالأعيان، إلاّ أنّ قضيّة كونها مضمونةً ضمان منافعها، فضمان المنافع في الإجارة الفاسدة إنما يكون بتبع ضمان العين المستأجرة، وبالجملة، قضيّة ضمان اليد ضمان المنافع فيما كانت العين مضمونة بها فاختصاص مورده بالأعيان لا يوجب اختصاص الضمان بها…»(3).
وفيه:
إنه لا ضمان بالنسبة إلى العين في الإجارة الفاسدة.
وقال شيخنا الاستاذ:
إن «ما» الموصولة تشمل الأعيان والمنافع والأعمال، و«اليد» عبارة عن الاستيلاء، فعلى المستولي ما أخذ… و«الأخذ» يشمل الكلّ لأنه مطلق التناول(4).
وبالجملة، فإن الإشكال يندفع بأن المراد من «الأخذ» هو «الاستيلاء» وهو في كلّ شيء بحسبه، ومن «الأداء» هو «الخروج عن العهدة»، وبهذا يكون الحديث شاملاً للمنافع والأعمال أيضاً.
إلاّ أنّ الشيخ جعل المدرك للقاعدة في المنافع والأعمال أدلّة اخرى غير قاعدة اليد، فقال:
اللهم إلاّ أنْ يستدلّ على الضمان فيها بما دلّ على احترام مال المسلم وأنه لا يحلّ عن طيب نفسه، وأنّ حرمة ماله كحرمة دمه، وأنه لا يصلح ذهاب حق أحد، مضافاً إلى أدلّة نفي الضرر… .
أقول:
تقريب الاستدلال بـ«لا يحلّ مال…» هو: أنه قد اُسند عدم الحليّة إلى «المال» ولم يقل: لا يحلّ التصرّف ونحوه، فالمعنى: إنه ليس مال المسلم طِلقاً لغيره، فلا يجوز لأحد التصرّف فيه إلاّ برضاه، وأنه لولا الرّضا فالضمان ثابت.
(1) المكاسب 3 / 56.
(2) وسائل الشيعة 21 / 276، باب أن من شرط لزوجته أن لا يتزوج عليها…، ذيل الرّقم: 4.
(3) حاشية المكاسب: 31.
(4) حاشية المكاسب 1 / 316.