2 ـ المنافع غير المستوفاة في البيع الفاسد
قال الشيخ:
ويشكل اطّراد القاعدة أيضاً في البيع فاسداً بالنسبة إلى المنافع التي لم يستوفها، فإنّ هذه المنافع غير مضمونة في العقد الصحيح مع أنها مضمونة في العقد الفاسد.
أقول:
المنافع للعين المستأجرة مثلاً تارةً: متصلة كالصّوف ونحوه من الشاة، واُخرى: هي في معرض الانفصال كاللّبن، وثالثة: هي في معرض الفعليّة بواسطة المستأجر كركوب الدابة وسكنى الدار، ورابعةً: هي في حدّ ذاتها فعليّة.
وجميع هذه الأقسام داخلة في البحث.
ثم إنه إنْ استوفى المستأجر المنافع، فما كان وجوده فعليّاً فقد أتلفه، ومقتضى قاعدة الإتلاف هو الضمان بلا كلام، وأمّا ما لا وجود له بالفعل، فهو بمنزلة الإتلاف إنْ انتفع به، كالدابة يركبها مثلاً. ففي المنافع المستوفاة إتلاف حقيقةً أو في قوّة قريبة من الإتلاف.
والشيخ لم يتعرّض للمنافع المستوفاة، لوضوح الحكم فيها.
وأمّا المنافع غير المستوفاة، كأنْ كان الحيوان سميناً فأصبح مهزولاً أو تلف لبنه وهو بيد المستأجر بعقد فاسد، وكالدار المشتراة ببيع فاسد ولم تسكن من قبل المشتري، فلو ردّ الحيوان أو الدّار إلى المالك يضمن تلك المنافع أوْ لا؟
قال المشهور بالضمان، وأرسله الشيخ إرسال المسلّم، فيتوجّه الإشكال بأنّها ليست مضمونة في العقد الصحيح، فلماذا تكون مضمونةً في الفاسد، والقاعدة تقول: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده؟
قال الشيخ:
إلاّأن يقال: إن ضمان العين يستتبع ضمان المنافع في العقد الصحيح والفاسد. وفيه نظر لأن نفس المنفعة غير مضمونة في العقد الصّحيح، لأنّ الثمن إنما هو بأزاء العين دون المنافع.
أقول:
وما ذكره هو الصحيح.
وقال السيّد: «المنافع وإنْ لم تكن مقابلة بالمال، إلاّ أنها ملحوظة في القيمة وزيادة الثمن، وهذا المقدار يكفي في صدق كونها مضمونة…»(1).
ولكنّه وجه خطابي، لأن الواسطة في الثبوت لا يقع في حيّز الثبوت، وكثرة المنافع أو الشروط واسطة في ثبوت إزدياد القيمة المضمونة، فلا يعقل أنْ تكون هي مضمونةً كذلك.
وقال الميرزا الاستاذ: إنّ الثمن المسمّى في عقد البيع وضمانه في مقابل العين، ومن ملك العين فالمنافع مباحة له بالدليل الشرعي وله التصرّف، هذا في البيع الصحيح. أمّا في البيع الفاسد، فحيث أن العين غير منتقلة إلى المشتري، فلا دليل على إباحة المنافع له، فهو ضامن بالنسبة إليها(2).
وتوضيحه: إن للمنافع ماليةً، وقد قام الدليل الشرعي في العقد الصحيح على جواز الانتفاع بها ولا ضمان، أمّا في الفاسد، فإنّ تلك المنافع باقية على ملك المالك تبعاً للعين، وحيث أنها فاتت عليه لكون العين بيد المشتري، فالمشتري ضامن لها.
وفيه: إنّ جواز الانتفاع في العقد الصحيح غير محتاج إلى الدليل، لأن العين مملوكة له، ومن ملك شيئاً ملك منافعه، أمّا إذا كان العقد فاسداً، فالقول بالضمان بالنسبة إلى المنافع غير المستوفاة محتاج إلى الدليل.
وغاية ما يمكن أن يقال هو: إن المشتري بسبب إمساكه للعين قد فوّت المنافع على البائع، وهذا بمنزلة الإتلاف فهو ضامن لها.
والجواب:
أمّا نقضاً: فبالعين المرهونة بالعقد الفاسد، إذ هي باقية على ملك المالك، وكون المرتهن ممسكاً لها بمثابة الإتلاف لمنافعها، وكذا في الوكالة الفاسدة والهبة، ولا قائل فيهما بضمان المنافع.
وأمّا حلاًّ، فإن إمساك الشيء غير الإتلاف له، وقوام الإتلاف هو التصرّف، وكونه بمنزلة الإتلاف مجاز.
وما ذكره المحقق الخراساني من: إن الدليل على ضمان المنافع هو الدليل على ضمان الأعيان، لكون ضمانها من آثار ضمانها ولوازمه، ولا يتفاوت في ذلك بين كونها مستوفاة أو غير مستوفاة، كما لا يخفى(3).
ففيه: إنّ هذا عين المدّعى.
(1) حاشية المكاسب 1 / 461.
(2) وأنظر منية الطالب 1 / 126.
(3) حاشية المكاسب: 34.