هل يقع العقد باللّفظ الكنائي؟
قال الشيخ:
أمّا الكلام من حيث المادّة، فالمشهور عدم وقوع العقد بالكنايات… .
أقول:
ذكر رحمه اللّه كلمات الفقهاء في المسألة، ومجملها عدم كفاية الكناية، وهي استعمال اللّفظ في معناه الموضوع له حقيقةً، لكن المقصود بالتفهيم هو اللاّزم أو الملزوم. فالمراد الاستعمالي هو المعنى الحقيقي، والمراد الجدّي هو اللاّزم أو الملزوم، فالاستعمال ليس في الملزوم أو اللازم، وإلاّ يلزم استعمال اللّفظ في معنيين، وهو غير معقول.
ولما كان تحقّق المعاملة منوطاً بالدلالة، وهي منوطة بالاستعمال، وهو حاصل في اللاّزم دون الملزوم وهو الملكيّة، فالمعاملة باللّفظ الكنائي غير محققة.
هذا شرح كلامه.
فقال المحقق الخراساني:
«ربما يمكن المناقشة في صدق العقد على ما إذا وقع بالكناية، فإنه عهد مؤكّد، ولا يبعد أن يمنع فيما إذا وقع بها، وذلك لسراية الوهن من اللّفظ إلى المعنى، لما بينهما من شدّة الارتباط بل نحو من الاتحاد»(1).
وكأنه يريد ما ذكرناه، من أن اللّفظ قد استعمل في اللاّزم واريد منه الملزوم، فالمقصود تفهيمه بالأصالة لم يستعمل اللّفظ فيه، والذي استعمل فيه ليس هو المقصود بالأصالة.
وقال العلاّمة:
«الرابع من شروط الصيغة: التصريح، فلا يقع بالكناية بيع ألبته، مثل قوله: أدخلته في ملكك، أو جعلته لك، أو خذه منّي، أو سلّطتك عليه بكذا. عملاً بأصالة بقاء الملك، ولأنّ المخاطب لا يدري بم خوطب»(2).
أقول:
لعلّ المراد أن البيع بالكناية مجاز، إذ البيع يكون باستعمال اللّفظ في المعنى الموضوع له المقصود، وهذا هو الّذي يصدق عليه عنوان البيع حقيقةً، وعليه، فلو شك في صدقه على الاستعمال الكنائي، لم يصحّ التمسّك بـ(أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)(3) ونحوه، لأن إثبات الحكم يدور مدار إحراز الموضوع، وحينئذ يكون استصحاب عدم الملك هو المحكّم.
وأمّا مع فرض صدق العنوان على ما إذا وقع بالكناية، فإنه لا مانعيّة لعدم الصّراحة، لأن المفروض شمول العمومات للصريح وغير الصريح، ولا دليل على اعتبار الصّراحة.
وأمّا قوله: ولأنّ المخاطب…، فأخصّ من المدّعى، لأنّ مثل قوله: جعلته لك، يحتمل البيع والهبة وغيرهما، أمّا لو جاء بكناية لا تفيد إلاّ البيع، كان المخاطب يدري بما خوطب.
وقال الميرزا الاستاذ:
إنه قد يتحقّق الإخبار بالكناية، كما لو قال: «زيد كثير الرماد» وانتقل ذهن المخاطب إلى جود زيد، فكانت الكناية إخباراً عن الجود، لكنّ الإنشاء إيجاد للمعنى، فإذا أتى بالمعنى الكنائي لم يتحقّق الانشاء للملزوم وإنْ انتقل ذهن المخاطب إليه، لأن الانتقال إليه أمر والإنشاء له أمر آخر، والبيع إنشاء للملكيّة، فهو لا يحصل بالكناية، فالألفاظ الكنائيّة لا تصلح للإنشاء وإنْ صلحت للإخبار]1[.
]1[ وفي منية الطّالب: «أمّا صحته بالكناية، فلو قيل: إنها قسم من المجاز كما عرّفها بعضهم من أنها ذكر اللاّزم وارادة الملزوم، فحكمها حكمه. ولو قيل: إنها قسيم للمجاز كما هو الحق، فإن قوله: «زيد طويل النجاد» استعمل في نفس معناه الحقيقي واُلقي معنى اللّفظ إلى المخاطب لينتقل منه إلى ملزومه وهو طول القامة، وهكذا في أمثال ذلك من قوله: «زيد كثير الرماد» أو «مهزول الفصيل» فإن الانتقال إلى الجود من دواعي استعمال هذه الألفاظ في معانيها الموضوعة لها لا أنها استعملت في الجود، فالأقوى: عدم صحة إنشاء العنوان بها، فإن إنشاء اللاّزم وإيجاده في الإنشاء القولي ليس إيجاده للملزوم عرفاً، وكون الملزوم مقصوداً وداعياً من إيجاد اللازم لا أثر له، فلو قال كنايةً عن البيع: «ترى خيره» أو في مقام النكاح: «آلف اللّه بين قلبكما» وأمثال ذلك، فلا أثر له.
وبالجملة: ما لم ينشأ عنوان العقد بما هو آلة لإيجاده عرفاً فلا أثر له، ولا يرى العرف آلة إيجاد اللازم آلة إيجاد الملزوم»(4).
أقول:
تارةً نقول: بأنّ الملكيّة أمرٌ واقعي، وكلٌّ من نظر العرف والشرع طريق إليه، ومتى وقع الخلاف بين نظرهما كان الشارع مخطّئاً للعرف في نظره.
واخرى نقول: بأنّ الملكيّة أمر اعتباري لا واقعية له، وحقيقة الأمر الاعتباري من أعمال النفس وهي الموجدة له، وقوامه بنفس المعتبر، فالعقلاء يعتبرون الملكيّة، والشارع يعتبر على طبق اعتبارهم في كلّ مورد عنده اعتبار.
وعلى الثاني: فإن البايع يعتبر ويتسبّب باعتباره إلى اعتبار العقلاء أو الشارع، وحينئذ، قد يكون فاسداً عند العقلاء، أو عند الشارع وإنْ كان صحيحاً عندهم.
(1) حاشية المكاسب: 27.
(2) تذكرة الفقهاء 10 / 9.
(3) سورة البقرة: 275.
(4) منية الطّالب 1 / 106.