هل يحرم الإمساك بعد القبض
وأمّا الثانية، فقد استدلّ الشيخ بالخبر عن الإمام عجّل اللّه فرجه(1).
وفيه: إن ما نحن فيه ـ وهو الإمساك ـ لا يصدق عليه التصرّف، فلا وجه لهذا الاستدلال.
ثم استدلّ بعموم الحديث النبوي: لا يحلّ مال امرئ مسلم…(2)، قال: حيث يدلّ على تحريم جميع الأفعال المتعلّقة به التي منها كونه في يده.
وفيه: أوّلاً: إنه مرسلٌ. وثانياً: إنّ الحديث ظاهر في حرمة تملك مال الغير لا جميع الأفعال المتعلّقة به. وثالثاً: إن ظاهر «عن طيب نفسه» هو الحكم الوضعي، لأنّ الحليّة معدّاةٌ بحرف التجاوز الدالّ على النشو، يعني: أن يكون ناشئاً عن طيب نفسه، وهذا يلائم الحكم الوضعي دون التكليفي، ولا أقلّ من تردّده بين أن يكون تكليفاً أو وضعاً، فيكون مجملاً ويسقط الاستدلال به.
فإنْ قلت: هناك رواية معتبرة سنداً والتعدية فيها بالباء، وهي موثّقة سماعة عن أبي عبداللّه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «من كانت عنده أمانة، فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفس منه»(3) فلا يرد عليها ما ذكر.
قلت: قد اُسند «لا يحلّ» في هذه الرواية إلى أمرين هما: الدم والمال، ومن الواضح أن المعنى لا يتمُّ إلاّ بتقدير، ولابدّ من أن يكون المقدّر معنى جامعاً صالحاً للإسناد إلى كلا الأمرين، وعليه، فالمراد من «لا يحلّ» عدم حليّة التضييع وأنه لا يجوز أن يذهب دم امرئ مسلم ولا ماله ـ إلاّ بإذنه ـ هدراً… فلا ربط للرواية بالإمساك أصلاً.
بل يمكن أن يقال: بأنّ المراد هو الحكم الوضعي، وأنّ دم المسلم وماله محترمٌ، كما في الروايات المستفيضة الواردة في أنّ حرمة مال المسلم كحرمة دمه.
والحاصل: إنه لا دليل على حرمة الإمساك بما هو إمساك.
(1) وسائل الشيعة، الباب 1 من أبواب الغصب، الرّقم: 4.
(2) عوالي اللئالي 1 / 223.
(3) وسائل الشيعة 5 / 120، باب حكم ما لو طابت نفس المالك، الرّقم: 1.