وتلخص: إن ما ذكره في جواب الإشكال من أن قاعدة اليد مخصّصة بالأدلّة في أبواب العارية والوديعة والإجارة والوكالة، أمّا في الهبة، فإنه وإنْ لم يرد نصّ لكن الحكم جار فيها بالأولويّة… مخدوش: بأنّ القاعدة المذكورة ـ على القول باعتبارها كما عليه المشهور ـ اقتضائية، وما دلّ عليه تسليم العين من قبل المالك من الإذن والرضا بالتصرّف، مانع عن الاقتضاء، فلا تؤثر قاعدة اليد في الضمان، لا في الهبة ولا غيرها من العقود المذكورة.
وأمّا إشكال المحقق الخراساني على ما ادّعاه الشيخ في الهبة من الأولويّة، فيتلخّص في أنه لا يوجد في المورد مناط الأولوية، لأن عدم الضمان في تلك الموارد كان عبارة عن عدم ضمان التلف، أما ضمان الإتلاف والتفريط فثابت، أمّا في الهبة، فلا يوجد ضمان مطلقاً، فعدمه في الهبة هو بقول مطلق، أمّا في تلك الموارد فعدم ضمان خاص، فكيف تكون الأولويّة؟
وقد أجاب شيخنا الاستاذ بما حاصله(1): إنّ ملاك عدم الضمان في تلك الموارد مستند إلى إذن المالك، فهو يأذن في التصرّف في المال بقيد التحفّظ على ملكية المالك، فيكون إذنه بالتصرّف بقول مطلق كما في الهبة دالاًّ على رفع الضمان بالأولويّة.
والإنصاف: عدم إمكان المساعدة على ما أفاده، لأن الواهب لا يأذن بالتصرّف، بل يملّك العين للمتهب، نعم، يعلم بأنه سيتصرّف فيه تصرّف الملاّك في أموالهم. أمّا في سائر الموارد، فإنه إنما يأذن بالتصرّف في ملك نفسه، فلا ربط بينهما حتى تتصوّر الأولويّة.
والتحقيق: إن الآخذ في جميع الموارد مأذون في التصرّف، فهو غير ضامن في صورة التلف، كما قال الشيخ بالتالي:
فحاصل أدلّة عدم ضمان المستأمن، أن دفع المالك إليه ملكه على وجه لا يضمنه بعوض واقعي ـ أعني المثل أو القيمة ـ ولا جعلي، فليس عليه ضمان.
ولكنّه: إذا قال «وكّلتك في أن تبيع داري»، ولم يسلّطه على الدار خارجاً بل الوكيل أقدم على الأخذ، أو قال له: «أعرتك داري» ولم يسلّمه، فهل يكون ضامناً؟ الظاهر أنّ مثل هذا العقد يدلّ بالملازمة على الإذن في الأخذ، إلاّ أن يصرّح فيقول: أعرتك داري ولا تتصرّف فيها إلاّ أنْ اُسلّمها إيّاك.
فهذا هو الطّريق لخروج هذه الموارد ومنها الهبة، وهو خروجٌ تخصّصي عن قاعدة اليد بناءً على اعتبارها، لا تخصيصي كما ذكر الشيخ رحمه اللّه.
(1) حاشية المكاسب 1 / 343.