مقدّمة
في خصوص ألفاظ عقد البيع
بعد أنْ فرغ الشيخ من بحث المعاطاة ـ أي البيع الفعلي ـ وأحكامها وتنبيهاتها الثمانية، شرع في أحكام البيع اللّفظي، وقبل الدخول في ذلك، ذكر مقدّمةً بيّن فيها اللّفظ المعتبر في البيع اللّفظي والأحكام المتعلّقة به، فقال رحمه الله:
مقدّمة في خصوص ألفاظ عقد البيع
قد عرفت أن اعتبار اللّفظ في البيع، بل في جميع العقود، ممّا نقل عليه الإجماع، وتحقّق فيه الشهرة العظيمة، مع الإشارة إليه في بعض النصوص.
أقول:
إن المعاملة الفعليّة ـ أي المعاطاة بقصد التمليك والتملّك ـ يصدق عليها عنوان «البيع» على وجه الحقيقة عند العقلاء، وتعمّه العمومات والإطلاقات في الكتاب والسنّة، فهي بيع حقيقةً عرفاً وشرعاً. وأمّا قول صاحب الجواهر رحمه اللّه(1) بأنهما يقصدان الإباحة فهي تفيد الإباحة لا الملكية، فقد تقدّم الكلام عليه بالتفصيل.
وعليه، فما نسب إلى المشهور من أنّ المعاطاة ـ وإن كانت بيعاً عقلائيّاً ـ ليست ببيع شرعاً، وأنّ اللّفظ معتبر في تحقق حقيقة البيع وأنها متقوّمة باللّفظ، فلا يمكن المساعدة عليه، بل إنّ المعاطاة كما أنها بيع عقلاءً كذلك هي بيع شرعاً ونافذ ومؤثر أثره]1[.
]1[ هذا ردٌّ على دعوى الاجماع والشهرة على عدم إفادة المعاطاة للملك.
أمّا الإجماع، فقد ادّعاه السيد ابن زهرة في الغنية حيث قال: «واعتبرنا حصول الإيجاب والقبول تحرّزاً… عن القول بانعقاده بالمعاطاة، نحو أن يدفع إلى البقلي قطعةً ويقول: اعطني بقلاً، فيعطيه. فإنّ ذلك ليس ببيع، وإنما هو إباحة للتصرّف. يدلّ على ما قلناه: الإجماع…»(2).
وأمّا الشهرة، فقد ادّعاها الشّيخ رحمه اللّه إذ قال: «والمشهور بين علمائنا عدم ثبوت الملك بالمعاطاة وإنْ قصد المتعاطيان بها التمليك…»(3).
وأما قول الشيخ: مع الإشارة إليه في بعض النصوص، فالمقصود هو الخبر: «إنما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام». وفيه كلامٌ سنداً ودلالةً.
وتفصيل المطلب في الجزء الأوّل.
نعم، يمكن دعوى أنّ المعاطاة وإنْ كانت مفيدةً للملك لكنها فعلٌ، والفعل قاصرٌ عن الدلالة على اللّزوم، بخلاف اللّفظ.
وتوضيح ذلك: إنّ البيع باللّفظ وبالمعاطاة يشتركان في إفادة الملك، غير أنّ الأوّل يدلُّ على إيجاد الملكية بالمطابقة والثاني بمعونة القرائن، وكذا في الالتزام بمضمون المعاملة، لأنّ ظاهر حال كلّ من يَعِد وعداً أو يتعهّد بعهد أو يعامل معاملةً هو الالتزام والبقاء على ما وعد أو تعهّد، سواء كان ذلك باللّفظ أو الفعل، إلاّ أنهما يفترقان في جهة واحدة فقط، وهي أنه إذا كان البيع أو الوعد والعهد باللّفظ، كان مقتضى إطلاقه هو الدّوام والاستمرار إلى الأبد، إلاّ أن يقيّده بأمد معيّن أو يشترط شرطاً يستتبع الخيار، ولذا نقول: ليس له أن يفسخ، والمعاملة لازمة، فالإطلاق اللّفظي محكّم والظهور الإطلاقي حجةٌ عليه، بخلاف الفعل، فإنّه مجملٌ ولا إطلاق له، لذا يقال: أعطى فندم فردّ، وهذا معنى قولنا أنّ الفعل لا لسان له وقاصرٌ عن الدلالة، ونتيجة ذلك: أن الملكيّة الحاصلة بالمعاطاة جائزة لا لازمة، وحينئذ، لا حاجة للقول بدلالة المعاطاة على الملكيّة المتزلزلة الجائزة، إلى الاستدلال بالشّهرة المحقّقة]1[.
]1[ هكذا قال رحمه اللّه، ولا يتوهّم منه القول بعدم إفادة المعاطاة للّزوم بعد أنْ شيّد أركانه سابقاً بوجوه كثيرة، وأجاب عن الإجماع بأنه منقولٌ وليس بحجّة، وكذا الشهرة، فهو هنا في مقام توجيه القول بالعدم ببيان الفرق بين العقد اللّفظي والفعلي، وقصور الثاني عن الأوّل في الدلالة، وأنه لا تصل النوبة إلى التمسّك بالشهرة مع وجود هذا الاستدلال، إلاّ أنه قد أجاب عنه ـ وإنْ ذكره بعبارة اخرى ـ بقيام الدليل الشرعي على لزوم المعاطاة إذا افترق المتعاملان، وهو قوله صلّى اللّه عليه وآله: البيّعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع، ثمّ بالاستصحاب، فراجع الجزء الأوّل: 263 ـ 264.
(1) جواهر الكلام 22 / 224.
(2) غنية النزوع: 214.
(3) كتاب المكاسب 1 / 38.