قال الشيخ:
ومن جملة الشرائط التي ذكرها جماعة: التنجيز في العقد، بأنْ لا يكون معلّقاً على شيء بأداة الشرط، بأنْ يقصد المتعاقدان انعقاد المعاملة في صورة وجود ذلك الشيء لا في غيرها… .
أقول:
قد نسب إلى المشهور بل ادعي عليه الإجماع: اعتبار التنجيز في العقد وأنّ التعليق مبطل.
فإنْ كان المراد كون نفس الإنشاء معلّقاً، فإنّ الإنشاء من أنحاء التكلّم الدائر أمره بين الوجود والعدم، إذ الإنسان إمّا متكلّم وإمّا غير متكلّم، فلا يعقل وقوع التعليق في الإنشاء.
ثم إن الإنشاء والمنشأ واحد حقيقةً، فإذا لم يكن الإنشاء معلّقاً فالمنشأ به غير معلّق كذلك، فلابد من تصوّر التعليق فيما عدا الإنشاء والمنشأ.
ثم إن للتعليق أنحاء، فقد ينشئ الإنسان المفهوم التعليقي ولا يعلم هل يتحقق ذلك المفهوم في الخارج أوْ لا يتحقق، فيكون التعليق مرتبطاً بتحقق الشيء في الخارج.
وقد يكون التعليق مربوطاً بقصده الجدّي، كما لو قال: «إن كنت صديقي بعتك هذا» و«إن كنت عادلاً بعتك هذا» فالإنشاء والمنشأ فعليّان إلاّ أن القصد الجدّي معلّق.
وقد يكون في آثار مضمون العقد المستقر، كأن يقول: «أنت وكيلي في بيع هذا على أن يكون بيعه في وقت رواج هذا المتاع» فهو وكيل له الآن، لكنّ تصديه للبيع أي الموكّل فيه، معلّق بالوقت الكذائي.
فظهر أن لا معنى للتعليق في الإنشاء والمنشأ، وإنما هو في الجهات المذكورة الخارجة عنهما.
ثم إنّ الشيخ بعد أنْ أورد كلمات الأصحاب في أصل الاشتراط وذكر أنه «لا شبهة في اتفاقهم على الحكم» وكلماتهم المختلفة في وجه الاشتراط، قال:
«وتفصيل الكلام، أنّ المعلّق عليه: إمّا أن يكون معلوم التّحقق وإمّا أن يكون محتمل التحقق، وعلى الوجهين، فإمّا أنْ يكون تحققه المعلوم أو المحتمل في الحال أو المستقبل» فهذه أربعة تقادير.
ثم قال:
«وعلى التقادير، فإمّا أن يكون الشرط مما يكون مصحّحاً… أو مما يصح… وكون المشتري ممن يصح… وممن يجوز العقد معه… وإما أن لا يكون كذلك».
أقول:
كان الأولى أن يقول: الشرط المعلّق عليه، إمّا معلوم التحقق، وإمّا مجهول التحقّق، وظرف التحقق، إمّا هو الحال وإمّا هو المستقبل، فهذه أربعة تقادير.
ثم المعلّق عليه على التقادير المذكورة، إمّا هو دخيل في قوام العقد كالقبول، مثل قوله: بعتك هذا إنْ قبلت، إذ القبول مقوّم لماهية العقد، أو هو دخيل في الموضوع كقوله: زوّجتك إن كنت محلاًّ، فالإحلال من الإحرام دخيل في صحة العقد ومقوّم لموضوعه، والمقوّم للموضوع تارة: يكون مقوّماً له شرعاً كما ذكر، واخرى: يكون مقوّماً له في نظره واعتباره كقوله: «إن كنت صديقي بعتك هذا». وثالثة: يكون دخيلاً في صحة العقد من جهة شرائط المتعاوضين، كأن يقول: إنْ كنت بالغاً بعتك هذا، إن كنت مالكاً للثمن فقد بعتك مالي به، ورابعة: يكون دخيلاً في صحة العقد من جهة شرائط العوضين، كقوله: بعتك هذا بدارك إن لم تكن وقفاً، وخامساً: لا يكون شيء من ذلك، مثل: بعتك هذا إن كان يوم الجمعة.
فهذه ستة تقادير، وبالنظر إلى الأربعة، فالمجموع أربعة وعشرون تقديراً.
لكنّ الأولى: جعل التقديرين فيما هو دخيل في الموضوع واحداً، وجعل تقديري ما هو دخيل في صحة العقد من جهة شرائط المتعاقدين، ومن جهة شرائط العوضين واحداً، فتكون التقادير أربعة، والأربعة في الأربعة ستة عشر.
Menu