عودٌ إلى كلمات الشيخ
قال:
نعم، يمكن أن يقال ـ بعد عدم الدليل لترجيح الأقوال والإجماع على عدم تخيير المالك ـ
التخيير في الأداء.
من جهة دوران الأمر بين المحذورين أعني: تعيّن المثل بحيث لا يكون للمالك مطالبة القيمة
ولا للضامن الامتناع، وبين تعيين القيمة كذلك، فلا متيقّن في البين ولا يمكن البراءة
اليقينيّة عند التشاح، فهو من باب تخيير المجتهد في الفتوى. فتأمّل.
أقول:
يمكن تقريب تنظيره للمقام بتخيير المجتهد في الفتوى: بأن المجتهد لمّا كان يرى وجوب
العمل بخبر الواحد، فإذا وقع التعارض بين الخبرين، أحدهما يأمر والآخر ينهى، يعلم بوجوب
العمل بأحدهما ولا يمكن الجمع بينهما، فيدور أمره بين المحذورين فيتخيّر، كذلك ما نحن
فيه.
وأمّا أمره بالتأمّل، فهو إشارة إلى أنّ دوران أمر المجتهد بين المحذورين يبتني على أن تكون
حجيّة خبر الواحد من باب السببيّة، يعني: إنّه تحدث بقيام الخبر مصلحة تكون السّبب
لوجوب العمل، فإذا وقع التعارض ولا يمكنه الأخذ بكليهما حكم بالتخيير. لكنّ المبني غير
صحيح، بل حجيّة الخبر من باب الطّريقيّة، وعليه، فلا موضوع للدوران بين المحذورين، لأن
مقتضى الأصل الأوّلي هو التساقط، ولو قلنا بالتخيير فهو من أجل النصّ لا لدوران الأمر بين
المحذورين.
بل، ليس التخيير من أجل ذلك حتّى على القول بالسببيّة، لأن معنى السببيّة هو حدوث
المصلحة الملزمة للعمل، فإذا وقع التزاحم بقيام الخبرين بين المصلحتين كان القول بالتخيير
هو مقتضى القاعدة الأوليّة بين المصلحتين المتزاحمين.
هذا، ويحتمل أنْ يكون المراد من قوله «من باب تخيير المجتهد في الفتوى» أن المجتهد
يفتي بالتخيير، فيكون الأمر بالتأمل ـ على هذا الإحتمال ـ إشارةً إلى أن فتوى المجتهد
بالتخيير فيما نحن فيه لا مورد له، لأنّه لا دليل على وجوب دفع المثل ولا القيمة على وجه
التعيين حتى يدور الأمر بين المحذورين، بل إن الواجب عليه أحدهما، وتتحقق البراءة
اليقينيّة بإحضار كليهما لدى المالك، على ما ذكرنا.