رأي المحقق النائيني
وذكر الميرزا الاستاذ أن العقود على ثلاثة أقسام:
منها: العقود الإذنية، كالوكالة والعارية ونحوهما من العقود التي لا التزام بها.
ومنها: العقود العهدية المعاوضية، كالبيع والصلح.
ومنها: العقود العهديّة غير المعاوضية، كالرهن والقرض.
أمّا القسم الأوّل، فلا يعتبر فيه الموالاة، بل إن قوامها بالرضا، فمادام موجوداً يكفي وإنْ وقع الفصل بين الايجاب والقبول وبلغ ما بلغ، وتسميتها بالعقد مسامحة أو مجاز من باب علاقة المشابهة، فهي خارجة عن عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) تخصّصاً، ولذا لا يرد الإشكال من خروجها بلزوم تخصيص الأكثر، لعدم كون خروجها تخصيصيّاً.
وأمّا القسم الثاني، فيعتبر فيها الموالاة من ناحيتي السبب والمسبب. أمّا من ناحية المسبب، فلأن البيع مبادلة بين المالين، فكلّ من البائع والمشتري له إضافة ملكية إلى ما يملكه، فيقع التبادل بين طرفي الإضافة، فيضاف ملك المشتري وهو الثمن إلى البائع ويحلّ محلّه المثمن، وملك البائع إلى المشتري ويحلّ محلّه الثمن، على عكس الإرث، حيث يقع التبادل بين المضافين مع حفظ الاضافة والمضاف إليه، أمّا في الهبة، فالإضافة الملكية تنقطع.
ففي البيع، لمّا يقع الإيجاب تنخلع الاضافة الملكية من البائع بالنسبة إلى ملكه ويتلبّس بكونه مضافاً إلى الثمن، فهو بإيجابه يوجد هذه المبادلة، ولولا اتصال القبول به لم يتحقّق، ولم يحلّ الثمن محلّ المثمن، وتبقى الإضافة التي خلعها بلا مضاف إليه، والإضافة بلا طرف محال كالخلع بلا لبس.
أمّا في النكاح، فهو يوجد العلقة في نفس الأمر، فتحتاج إلى طرف، فلولا اتصال القبول يلزم أن توجد العلقة في نفس الأمر بلا طرف، وهو محال ممتنع.
وأمّا من ناحية السبب، فبيانه: إن كلّ مركّب له عنوان واحد وأثر واحد، فلابدّ من الاتصال بين أجزائه، ولذا يلزم الاتصال بين حروف الكلمة الواحدة وبين كلمات الكلام الواحد، ولذا يجب التوالي بين أجزاء الصلاة والوضوء والقراءة.. وهكذا كلّ مركّب من الافعال، ويعتبر الاتصال بين المستثنى والمستثنى منه من جهة أنه كلام واحد وله ظهور واحد، فلو انفصل فهناك ظهوران، ولذا لو انفصل المقيّد عن المطلق، فبناءً على تمامية الظهور في المطلق يكون تقدم المقيد عليه من باب تحكيم أقوى الحجّتين، وأمّا مع الاتصال فالظهور منعقد من أوّل الأمر في المقيّد.
فإذا كان الكلام واحداً، فلابدّ من الاتصال، سواء كان من المتكلّم الواحد أو من اثنين، وإلاّ كان هناك عنوانان.
وعليه، فالبيع أمر واحد، والصلح أمر واحد، والنكاح أمر واحد، والسبب مركّب من إيجاب وقبول، والهيئة الاتصالية بينهما مقومة لوحدة العنوان، فلولا الموالاة لما تحقق العنوان الواحد، وحينئذ، فكما لا يصدق «العقد» لا يصدق «البيع» و«التجارة» خلافاً للشيخ، لأن كلاًّ من العقد والبيع والتجارة أمر واحد.
وأمّا القسم الثالث، فإنه وإنْ لم تكن معاوضة فوحدة السّبب لازمة، ومن هذه الجهة تعتبر الموالاة، حتى يصدق العنوان الواحد.
فإنْ قلت: الهدايا قسمٌ من الهبات، وقد ترسل الهديّة من مكان بعيد وتصل بعد زمان فيتحقق القبول، وتحصل الهبة المعاطاتيّة والمعاطاة سبب واحد، فكيف تصح إذا كانت الموالاة معتبرة؟
وكذا في القرض، فلو أرسل المبلغ ووصل بعد مدّة وحصل القبول، فالقرض المعاطاتي حاصل.
فالجواب بوجهين:
أحدهما: أن هناك يداً طويلة وقع التسلّم بها، فلم يقع فاصلٌ.
والثاني: إنه لمّا سلمّ الهديّة إلى الواسطة، جعله وكيلاً عنه في الإيصال، وإذا أوصلها تحقق الإيجاب من قبل المرسل بالاعطاء والقبول بالأخذ من طرف المرسل إليه، فلم يقع الفصل بينهما، وقد تقدّم في محلّه أن قبول المعاطاة ليس بإعطاء الثمن، بل إن إيجابها بالإعطاء والقبول بالأخذ، ودفع الثمن إبراء للذمّة.
هذا ما أفاده قدس سره(1).
(1) وأنظر منية الطالب 1 / 111.