رأي المحقق الإيرواني و النظر فيه
وقال المحقق الإيرواني:
لا فرق بين لفظي البيع والتجارة ولفظ العقد في الصّدق مع انتفاء التوالي كالصّدق مع التوالي، وكأنّ توهم الفرق من تخيّل أن العقد اسم للّفظ أعني المجموع المركّب من الإيجاب والقبول، مع أنّ المنقول عن أهل اللغة أنه العهد أو العهد المشدّد. وكأن اعتبار التوالي ناش من اعتبار المطابقة بين الإيجاب والقبول، بتوهّم عدم حصول المطابقة مع التأخر، لأنّ الإيجاب أفاد النقل من الحين، فإذا تأخّر القبول، فإمّا أن يكون قبوله قبولاً لتمام مضمون الإيجاب، فيلزم من صحته حصول النقل من حين الإيجاب كما في الإجازة على القول بالكشف، فيكون النقل حاصلاً قبل حصول تمام العقد وذلك باطل، أو يكون قبولاً لبعض مضمون الإيجاب، أعني النقل من حين تحقق القبول، فيلزم عدم المطابقة بين الإيجاب والقبول، وهذا المحذور وإنْ كان يعمّ صورة التوالي أيضاً لتحقّق الفصل هناك أيضاً ولو بيسير، لكن هذا المقدار من التخالف لا يضرّ بالمطابقة العرفيّة، فلا يوجب الحكم بالفساد»(1).
وتقريبه: إنّه لمّا يوجب البايع البيع يُوجد التمليك في حين الإيجاب، ويعتبر مجئ القبول في نفس الحين حتى يتحقق البيع، أمّا لو جاء متأخّراً بزمان معتد به، فإنْ أفاد النقل في حال الإيجاب لزم تحقق النقل قبل القبول وهذا خلف، وإنْ أفاد النقل في حاله، لم يتحقّق التطابق بين الإيجاب والقبول.
وفيه:
إن المراد من المطابقة المعتبرة بين الإيجاب والقبول هو ورودهما على الشيء الواحد بخصوصيّاته، وهو حاصل هنا، لأنّ الذي ينشؤه الموجب هو طبيعي الملكية، و«الحين» ظرف للانشاء لا قيد للملكية المتحقّقة بالإنشاء، إذ الزمان دائماً ظرف للإنشاء لا قيد للمنشأ، وكذلك القبول، فإنه يتعلّق بالطبيعي، وهذا هو التطابق، سواء اتّصل القبول أو انفصل، بمقتضى الاطلاقات.
وأمّا ما قيل في وجه اعتبار الموالاة، من أنّ آية الحلّ في مقام التشريع فلا إطلاق لها ليتمسّك به، وما قيل في آية الوفاء من أنّ اللاّم للعهد، والعقود المعهودة المتعارفة لم يفصل فيها بين الإيجاب والقبول، فلا دليل على جواز الفصل، فقد عرفت الجواب عنهما في البحوث السّابقة.
وعلى الجملة، فقد ذكر الشيخ أنه لا يلزم صدق عنوان «العقد»، إذ يكفي صدق «البيع»، فقسّم الميرزا الاستاذ المعاملات إلى ثلاثة أقسام، وأن أيّاً منها يسمى عقداً ويتمسّك بآية الوفاء فيه وأيّاً منها ليس بعقد في الحقيقة، وقد تكلّمنا على ما أفاده بالتفصيل.
وما أفاده من اعتبار الوحدة متين جدّاً بالنسبة إلى فعل الشخص الواحد، فإنّ المشي الواحد من الإنسان مثلاً إنما يصدق إذا لم يتخلّله عدم الحركة المناسب له، فلو تخلّله خرج عن الوحدة وتعدّد، والتكلّم الواحد والقراءة الواحدة ونحوهما كذلك، فإنّ التكلّم أمر تدريجي، ولا يضرّ بوحدته السكوت الجزئي في الأثناء، أمّا لو سكت سكوتاً صدق عليه عدم التكلّم فلا، فلو تكلّم بعد ذلك كان كلاماً آخر لا استمراراً للسابق.
إذن، لو كان الفعل من شخص واحد واعتبر فيه الوحدة، لزم أن لا يتخلّله العدم البديل وإلاّ خرج عن الوحدة.
أمّا لو كان المطلوب تحقق فعلين من شخصين يوجدان أمراً واحداً، فما الدليل على أن يكون فعل أحدهما متّصلاً بفعل الآخر حتى يوجد ذلك الأمر الواحد؟
وقد كان شيخنا الميرزا يعتبر الوحدة الحقيقيّة، ولذا كان يمثّل بالقراءة والأذان والكلام.
(1) حاشية المكاسب: 90.