حكم دفع القيمة مع عدم المطالبة

حكم دفع القيمة مع عدم المطالبة
قال الشيخ:
وأمّا مع عدم مطالبة المالك، فلا دليل على إلزامه بقبول القيمة، لأنّ المتيقن أن دفع القيمة علاج لمطالبة المالك وجمع بين حقّ المالك بتسليطه على المطالبة وحق الضّامن لعدم تكليفه بالمعذور والمعسور، أمّا مع عدم المطالبة فلا دليل على سقوط حقّه عن المثل.
أقول:
هذا يبتني على المسالك في بدليّة القيمة عن المثل في القيميّات، فإن كان هو تعذّر المثل ولو آناًمّا، فالبدليّة متحققة، لأن المفروض تعذّر المثل، وإنْ كان هو مقتضى أدلّة الضمان الموكول فهمه إلى العرف، فإنه إذا كان التعذّر عند العرف موجباً للبدليّة، فهو التعذّر في جميع الأزمنة، دون التعذّر فِعلاً، ومع فرض التمكّن من المثل في وقت آخر لا ينتقل إلى القيمة، وليس للضّامن إلزام المالك بأخذها، واللّه العالم.
فإنْ قلت:
إنّ التعذّر عبارة عن عدم إمكان الأداء، واعتبار ثبوت ما لا يمكن أداؤه على عهدة الضّامن واشتغال ذمّته به لغو، وحينئذ، ينتقل إلى القيمة، فيجوز للمالك المطالبة بالقيمة وللضّامن إلزامه بقبولها مع عدم مطالبته، فلا يبقى للتفصيل بين صورة المطالبة وعدمها وجه.
قلت:
أوّلاً: إنّ الاعتبار الوضعي يغاير التكليف، فلو تعذّر متعلّق التكليف لم يعقل فعليّة التكليف، لأنّ الفعليّة عبارة عن التحريك وهو والتحرّك متضائفان، ولا ينفك أحدهما عن الآخر، كما أنّ التحريك والحركة واحد حقيقةً، فإذا امتنع أحدهما امتنع الآخر، ولذا قلنا باستحالة الواجب المعلّق عقلاً. أمّا اعتبار الحكم الوضعي فعلاً بلحاظ الأثر المترتّب عليه فيما بعدُ، فلا مانع منه.
وثانياً: قد ذكرنا أنّ الضّمان بمعنى الكفالة والكون في العهدة، فهو ضامن للعين التالفة، والمعتبر هو كفالتها، ومن الأحكام الشرعيّة والعرفيّة في كفالة المثليّات هو أنّ إعطاء المثل بمنزلة إرجاع العين، فالمشتغل به الذمّة هو الكفالة لا المثل حتّى يقال بالانقلاب إلى القيمة بسبب التعذّر.
وتلخّص:
إنه مع إمكان تحصيل المثل في الزّمان الآتي أو في مكان غيره، ليس للمالك المطالبة بالقيمة، كما أنه ليس للضّامن إلزامه بأخذها، اللهم إلاّ إذا تراضيا وتصالحا، فذاك أمر آخر.
هذا كلّه في المتعذّر فعلاً الممكن تحصيله فيما بعد.
وأمّا إنْ كان متعذّراً إلى الأبد في جميع الأزمنة والأمكنة، والمفروض تمكّنه من ماليّة العين التالفة، وجب عليه دفع القيمة لقيامها مقام الماليّة.
وحينئذ، يقع البحث في أن الواجب دفع قيمة أيّ يوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *