حاصل الكلام في المقام
قال:
فحاصل الكلام: إن ما اُجمع على كونه مثليّاً يضمن بالمثل مع مراعاة الصفات… مضافاً إلى الخبر الوارد في أنّ الثابت في ذمّة من اقترض دراهم وأسقطه السّلطان وروّج غيرها، هي الدراهم الاولى.
وما اُجمع على كونه قيميّاً يضمن بالقيمة بناءً على ما سيجئ من الاتفاق على ذلك وإنْ وجد مثله… .
أقول:
نصّ الرواية: عن يونس قال: «كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام: إنه كان لي على رجل عشرة آلاف دراهم، وأن السّلطان أسقط تلك الدراهم وجاءت دراهم أعلى من الدراهم الاولى، ولها اليوم وضيعة، فأيّ شيء لي عليه، الاُولى التي أسقطها السلطان أو الدراهم التي أجازها السلطان؟
فكتب: لك الدّراهم الاولى»(1).
وعن العباس بن صفوان قال: «سأله معاوية بن سعيد عن رجل استقرض دراهم عن رجل، وسقطت تلك الدراهم أو تغيّرت ولا يباع بها شيء، ألصاحب الدراهم الدراهم الأولى أو الجائزة التي تجوز بين الناس؟
فقال: لصاحب الدراهم الدراهم الاولى»(2).
وأمر الشيخ بالتأمّل(3)، لعلّه إشارة إلى رواية اخرى في مقابلهما، وهي:
عن يونس قال: «كتبت إلى الرّضا عليه السلام: إن لي على رجل ثلاثة آلاف درهم، وكانت تلك الدراهم تنفق بين الناس تلك الأيام، وليست تنفق اليوم، فلي عليه تلك الدراهم بأعيانها أو ما ينفق اليوم بين الناس؟
فكتب إلي: لك أنْ تأخذ منه ما ينفق بين الناس كما أعطيته ما ينفق بين الناس»(4).
فيقع التعارض.
وما في الحدائق(5) من تضعيف بعض الأصحاب لهذه الرواية، فالظاهر أنه بالنظر إلى طريق الشيخ(6)، لسهل بن زياد الضعيف على المشهور، ولكنها في الكافي(7) صحيحة بلا كلام.
ولكنْ قد يجاب عنها ـ كما في الجواهر ـ بقصورها عن المقاومة(8).
ولعلّه لإعراض المشهور عنها.
إلاّ أنا نحتمل إمكان الجمع بينهما ـ وإنْ لم يقل به أحد ـ بأنّ الوارد في ذاك الخبر «عشرة دراهم» وفي هذا «ثلاثة آلاف»، ولمّا كان التفاوت في العشرة قليلاً، فقد أهمله الإمام عليه السلام، وأمّا الخسارة المترتّبة في الثلاثة آلاف فلا يصلح إهمالها.
قال:
وما شك في كونه قيميّاً أو مثليّاً يُلحق بالمثلي مع عدم اختلاف قيمتي المدفوع والتالف، ومع الإختلاف اُلحق بالقيمي. فتأمّل.
أقول:
فصّل في ما لم يقم الإجماع على قيميّته أو مثليّته وتردّد بينهما، بأنّه مع عدم اختلاف قيمتي المدفوع والتالف يلحق بالمثلي، وذلك، لما ذكره من أنّ المخصّص إنْ كان مجملاً مفهوماً، مردّداً بين الأقلّ والأكثر، تقدَّم على العامّ في القدر المتيقّن، ويتمسّك به فيما زاد عنه، وهنا كذلك، لأنّ العموم المستفاد من الآية المباركة هو أنّ كلّ تالف يضمن بمثله، وقد خصّ بالقيميّ، لكنّ مفهومه مردّد، فما قام الإجماع على قيميّته يخرج عن العام، وما لم يقم فهو باق تحته.
وأمّا مع الاختلاف، فيلحق بالقيمي، ولا يتمسّك بالعام، لما تقدّم من أن مقتضى الدليلين اعتبار المماثلة من جميع الجهات، فمع الاختلاف في القيمة تنتفي المثليّة ولا وجه للتمسّك بالعام، وحينئذ، فإنّ الوجدان العقلي للمالك يقتضي أن يرضى بالقيمة، وإذا دفعها الضامن تيقّن بفراغ ذمّته.
هذا غاية ما يمكن أنْ يقال بشرح كلامه.
ولكنْ يرد عليه فيما لو لم يرضَ الضامن بذلك، وحصل الترافع بينهما، فما الدليل على الإلحاق بالقيمي؟ بل يرجع الأمر إلى الحاكم.
فالحق أن يقال بالإلحاق بالقيمي برضاهما.
وتلخّص: إن الآية المباركة في مقام إفادة جواز المقابلة بالمثل، ولا دلالة فيها على الضّمان أصلاً.
ولو سلَّمنا دلالتها على وجوب التدارك في صورة الإتلاف، لكنَّ معنى كلمة «المثل» في العرف عبارة عمّا يماثل الشيء وجوداً، فإذا توفّرت فيه الخصوصيّات الوجودية صدق عليه عنوان «المثل»، والماليّة أمر اعتباري عقلائي، ولا علاقة له بمفهوم الكلمة.
(1) وسائل الشيعة 18 / 206، الباب 20 من أبواب الصرف، الرّقم: 2.
(2) وسائل الشيعة 18 / 207 الباب 20 من أبواب الصرف، الرّقم: 4.
(3) وهذا التأمّل موجود في بعض النسخ دون بعض.
(4) وسائل الشيعة 18 / 206، الباب 20 من أبواب الصرف، الرّقم: 1.
(5) الحدائق الناضرة 20 / 144.
(6) تهذيب الأحكام 7 / 117.
(7) الكافي 5 / 252.
(8) جواهر الكلام 25 / 66.