تفسير المشهور هو الصحيح
أقول:
ومقتضى التأمّل هو الأخذ بما فسّره به المشهور، فإنّ الضمان بالمعنى المصدري ظاهر في تحقق الضمان وحصوله واقعاً، وذلك يكون بإمضاء الشارع.
وعليه، ففي المعاملة التي ضمن فيها المشتري العين بالعوض المسمّى وأمضاها الشارع، تكون المنفعة للمشتري، لحصولها في ملكه، إذ المنفعة تابعة للعين في الملكيّة، ولو وجب عليه الردّ بسبب خيار من الخيارات، لم يرد المنفعة، لأنها كانت ملكاً له واستوفاها.
وعلى الجملة، فقد استدلّ شيخ الطائفة في المبسوط والخلاف بما روي من أنّ «الخراج بالضمان» في أكثر من موضع، ممّا يدلّ على أنّ هذه القاعدة متداولة ومسلّم بها عند الفقهاء، إنما الكلام في معناها، وهل تشمل ما نحن فيه أو تختص بموارد المعاملات المعاوضية الصحيحة؟ قال ابن حمزة بشمولها لمورد المبيع بالبيع الفاسد، لكنّ الظاهر هو العدم، لأن «الخراج» هو الفوائد، و«الباء» إمّا للسببيّة أو للمقابلة، فإنْ كانت للسببيّة فالسبب مقدَّم على المسبب، وإنْ كانت للمقابلة، فلابدّ من فعليّة المقابل، وعليه، فلابدّ من فعليّة الضمان وتحقّقه حتى يقال بأنّ الخراج بسببه أو بأزائه، وهذا منحصر بالمعاملة الصحيحة، بخلاف الفاسدة، إذ الضّمان فيها تقديري. و«الضمان» إذا كان معنىً مصدرياً، فإنه يجتمع مع وقوعه عن الاختيار وعدمه، فلا اختصاص له بالاختيار، لعدم كونه مدلولاً للمادّة ولا للهيئة، فالضرب ـ مثلاً ـ الواقع عن خطأ وإكراه وقهر ضربٌ حقيقةً.
قال الشيخ:
وتفسيره أنّ من ضمن شيئاً وتقبّله لنفسه، فخراجه له، فالباء للسببيّة أو المقابلة. فالمشتري لمّا أقدم… وهذا المعنى مستنبط من أخبار كثيرة متفرقة مثل قوله… ونحوه في الرهن وغيره.
أشار رحمه اللّه إلى الرواية التالية:
عن إسحاق بن عمار قال: «حدّثني من سمع أبا عبداللّه عليه السلام وسأله رجل وأنا عنده فقال: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره، فجاء إلى أخيه فقال: أبيعك داري هذه وتكون لك أحبّ إليّ من أن تكون لغيرك، على أنْ تشترط لي إنْ أنا جئتك بثمنها إلى سنة أنْ تردّ عليّ.
فقال: لا بأس بهذا، إنْ جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه.
قلت: فإنها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة، لمن تكون الغلّة؟
فقال: الغلّة للمشتري، ألا ترى أنه لو احترقت لكانت من ماله؟»(1).
وعن إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم عليه السلام:
«عن الرجل يرهن العبد أو الثوب أو الحلّي أو متاع البيت، فيقول صاحب المتاع للمرتهن: أنت في حلٍّ من لبس هذا الثوب، فالبس الثوب وانتفع بالمتاع واستخدم الخادم.
قال: هو له حلال إذا أحلّه، وما اُحبّ أن يفعل.
قلت: فارتهن داراً لها غلّة، لمن الغلّة؟
قال: لصاحب الدار.
قلت: فارتهن أرضاً بيضاء فقال صاحب الأرض: إزرعها لنفسك.
فقال: هو حلال، ليس هذا مثل هذا، يزرعها لنفسه بماله، فهو له حلال كما أحلّه، لأنه يزرعه بماله ويعمرها»(2).
ثم أشكل على هذا التفسير بقوله:
وفيه: إنّ هذا الضّمان ليس هو ممّا أقدم عليه المتبايعان حتى يكون الخراج بأزائه، وإنما هو أمر قهريّ حكم به الشارع كما حكم بضمان المقبوض بالسّوم والمغصوب، فالمراد بالضمان الذي بأزائه الخراج: التزام الشيء على نفسه وتقبّله له مع إمضاء الشارع له. وربّما ينتقض ما ذكرناه في معنى الرواية بالعارية المضمونة… فتأمّل.
أقول:
لا يبعد أنْ يكون الأمر بالتأمّل إشارةً إلى أنه في مورد الاستعارة ـ وإن قلنا بأنّها ملك الإنتفاع لا المنفعة ـ فالرواية قالت: الخراج للضمان، ولم تقل الخراج للضّامن، أي: الخراج لا يحتاج إلى البدل، فيعمّ العارية المضمونة، فلا يجب دفع البدل عن المنافع التي ينتفع بها، فالنقض غير وارد.
أو أن المراد ـ كما قال السيّد رحمه اللّه(3) ـ هو أنّ المنافع للمستعير، غير أنها المنافع التي عيّنها المالك، بخلاف الإجارة، إذ للمستأجر أن ينتفع من العين المستأجرة مطلق المنفعة.
(1) وسائل الشيعة 18 / 19، باب أن المبيع إذا حصل له نماء… الرّقم: 1.
(2) وسائل الشيعة 18 / 392 ـ 393، باب جواز انتفاع المرتهن من الرهن بإذن الراهن، الرّقم: 1.
(3) حاشية المكاسب 1 / 466.