تحقيق المقام
والتحقيق: إنه إن كان انحصار المثل بالفرد بمثابة كونه معدوماً، فوجوب شرائه ساقطٌ ـ لأنّ المرتكز من أدلّة الضمان الملقاة إلى العرف هو الفرد المتداول من المثل ـ وينتقل الحكم إلى القيمة، وأمّا إذا لم يصل إلى تلك المثابة، فالشراء بأي ثمن واجب، لا لعموم النصّ والفتوى كما عليه الشيخ، بل لما ذكرنا مراراً من إيكال الشارع فهم الضمان إلى العرف، ومن الواضح عند العرف أنّ الأمر بدفع المثل يقتضي كونه متداولاً وإلاّ تلزم لغويّته، فإذا كان متداولاً وجب شراؤه ولو بأضعاف مضاعفة، ولا أثر لقاعدة نفي الضّرر، لا لما ذكروا، بل للفرق بين مقدمة الواجب التكليفي وبين مقدمة الواجب الوضعي، أمّا في الأوّل، فإذا كانت المقدّمة ضرريّة انتفى وجوب ذي المقدّمة، وأمّا في الثاني فلا، والضّمان من هذا القبيل، وكذا الدّين، فإنّه يجب أداؤه وإنْ كانت مقدّمته ضرريّةً، لاستقلال العقل بوجوب الخروج عن العهدة، والقاعدة لا ترفع الحكم العقلي. وكذا الكلام في الكفّارات والديات والملكيّة والنجاسة… إلى غير ذلك.
وتلخّص: أنه إذا كان المثل إنّما يوجد عند من يعطيه بأزيد ممّا يرغب فيه الناس، وهو غير متداول في السّوق وكان بمثابة المعدوم، فلا تردّد في الإنتقال إلى القيمة، لا لقاعدة لا ضرر، بل لما ذكرنا من ظاهر أدلّة الضمان بعد إيكال أمره إلى العرف، وأمّا إذا لم يكن بتلك المثابة، فالشراء واجبٌ، لا لعموم النصّ والفتوى ـ لما عرفت ما فيه ـ بل لظاهر أدلّة الضّمان كذلك، وقاعدة لا ضرر غير مانعة عن ذلك، لا لما ذكر، لما عرفت، ولأنّ رفع الحكم مع بقاء موضوعه يستلزم انفكاك المعلول عن العلّة، وهو محال، وما يلزم منه المحال محال.
وهنا بيانٌ آخر، وهو:
إنه إذا توجّه الحكم التكليفي الشرعي إلى طبيعة، كأن قال: الصلاة واجبة، فكان فرد منها ضررياً، ارتفع الوجوب عن الفرد بقاعدة لا ضرر، فهي في الحقيقة مخصّصة مانعة، وأمّا لو كان الحكم متوجّهاً إلى موضوع ضرري استحال ارتفاعه بالقاعدة، لأنّ الشيء لا يمنع عن نفسه… وعليه، فلا يعقل أن تكون القاعدة مانعةً عن دفع المثل، لأن ضمان المثل ودفعه ضرري.
Menu