المختار في المسألة
8 ـ كلّ لفظ صريح أو ظاهر في معنى المعاملة ظهوراً يعتدّ به العقلاء فهو كاف، بلا توقّف على كونه متداولاً في زمن المعصومين، إذ تكفى العمومات والاطلاقات دليلاً على الجواز ولا حاجة إلى الإمضاء.
وهذا هو المختار عندنا.
وتوضيحه بإيجاز هو: أنه لو لم تكن عندنا الإطلاقات والعمومات لكنّا بحاجة إلى الإمضاء، وهو دليل لبّيٌ، والقدر المتيقن منه ما كان متداولاً في زمنهم يقيناً، وما لا يقين بتداوله في ذلك الزمان فلا يؤثر.
لكنّ مقتضى العمومات والإطلاقات كفاية كلّ لفظ له ظهور عقلائي في المعنى، وإنما نقول بضرورة الظهور النوعي العقلائي، لأنه لو لم يكن كذلك ـ بل كان ظهوره بالقرينة الشخصيّة ـ لم يعتد به العقلاء، وحينئذ، لا يمكن نسبة قبوله إلى الشارع، لأنّ الإطلاقات والعمومات الشرعية كلّها مخصصّة بالمخصّص اللّبّي، فقوله تعالى (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) مخصّص أي: أحلّ اللّه البيع الذي يعتدّ به العقلاء، لأنّ الشارع لا يمضي ما ليس بعقلائي.
وبعبارة اخرى: إنّ لنا علماً إجماليّاً بعدم حليّة بعض البيع شرعاً، فالآية المباركة مخصّصة بالعلم الإجمالي المذكور، وقد تقرّر في محلّه سراية إجمال المخصّص إلى العام، فلا تبقى الآية على عمومها.
وكذا الكلام في قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).
وقد يقال بسقوط العموم من جهة تخصيص الأكثر، أمّا بناءً على مسلك القدماء من أن العام المخَصّص مستعملٌ في الخاص مجازاً والمخصِّص قرينة على المجاز، فلو قال: أكرم العلماء، ثم جاء المخصص منفصلاً بأنه: لا تكرم النحويين، فقد استعمل العلماء في ما عدا النحويين مجازاً، وقوله: لا تكرم النحويين قرينة عليه، وحيث أنه يعتبر المناسبة بين المعنى المجازي والحقيقي، فإنْ كان المخصص قليلاً، كان معظم الافراد باقياً تحت العام والمناسبة محفوظة والاستعمال صحيحٌ، وأمّا لو خرج معظم الأفراد من تحت العام وبقي النادر، انتفت العلاقة والمناسبة بين المعنيين الحقيقي والمجازي، والاستعمال المجازي بدون علاقة غير صحيح، ولذا لا يجوز استعمال العام في الفرد النادر.
وأمّا بناءً على مسلك المتأخرين ـ وهو الحق ـ من أنّ العام مستعمل في معناه الحقيقي وهو المراد الاستعمالي، وإنما المخصص مبيّن للمراد الجدّي، فإذا جاء المخصِّص أفاد أن ما عداه هو المراد الجدّي، فلا معنى لأن يستعمل المتكلّم العاقل اللّفظ العام في العموم ويريد الأفراد النادرة، وهذا معنى قولهم بأن تخصيص الأكثر مستهجن.
Menu