القول بالقرعة
وأمّا القول بالرجوع إلى القرعة، لكونها لكلّ أمر مجهول، والمضمون به فيما نحن فيه مجهول.
فقد اُشكل عليه:
أوّلاً: بورود التّخصيصات الكثيرة على عمومات القرعة وذلك موجب لوهنها، لأنّ إرادة العموم جدّاً لا تجتمع مع كثرة التخصيص.
وثانياً: إنّ مجرى القرعة هو الشبهة الموضوعيّة المحضة، فلا تعمّ أدلّتها الشبهة المفهوميّة والموضوعيّة الناشئة عن الشبهة الحكميّة.
وكلاهما مردودان:
أمّا الأوّل، فلأنه في كلّ مورد لم تطبّق فيه القرعة توجد أمارة أو أصلٌ فخرج له عن المجهوليّة، فلا يبقى موضوع للقرعة، فخروج تلك الموارد كلّها تخصّصي لا تخصيصي.
وأمّا الثاني، ففيه:
أوّلاً: ربما يكون الشك في المثليّة والقيميّة في الشّبهة الموضوعيّة المحضة، فقد يتلف الشيء والضامن والمالك يجهلان أنه مثلّي أو قيميّ، فالحنطة مثليّة والحيوان قيميّ، والعلم الإجمالي قائم بتلف أحدهما، فالشبهة موضوعية محضة.
وثانياً: قد ذكرنا سابقاً أنه لم يرد لفظ «المثل» و«المثلي» في نصوص الضمان، حتّى يقع الشك في مفهومها، بل الوارد هو «الضمان» بشمتقّاته، ومعناه عرفاً هو دفع المثل في المثليّات والقيمة في القيميّات، فوقع الشك في أنّ العرف هل يضمّنون بالمثل أو بالقيمة فيما لو جهل بكون التالف من هذا أو ذاك؟ وهذه شبهة موضوعيّة.
وثالثاً: إنّ العبرة بعموم العام لا بخصوص المورد، فإذا كان مورد أدلّة القرعة هو الشبهة الموضوعيّة، فإنّه لا يخصّص عمومها.
والحق في الإشكال هو:
إنّ أدلّة القرعة موضوعها مجهوليّة عنوان الشيء الخارجي كما في قطيعة الغنم مثلاً حيث يكون الفرد الحرام بينها مجهولاً، أمّا فيما نحن فيه فلا ربط للأمر بالخارج، وإنما يريد الضامن أنْ يعلم ماذا يجب عليه أنْ يؤدّي، وإجراء القرعة لتعيين ما في الذمّة غلط. هذا أوّلاً.
وثانياً: إن موضوع القرعة هو الأمر المجهول، أي: أنْ لا يكون هناك سبيل إلى معرفة الوظيفة الشرعيّة، ومع التمكن من معرفتها لا تصل النوبة إلى القرعة، وأصالة الاشتغال ـ فيما نحن فيه ـ تعيّن الوظيفة، إذ مقتضاها هو الجمع بين المثل والقيمة في الأداء، وأمّا عدم جواز أخذ المالك لكليهما فهو أمر آخر.
Menu