الرابع: من أحكام المقبوض بالبيع الفاسد

الرابع(1)
من أحكام المقبوض بالبيع الفاسد:
وجوب ردّه فوراً إلى المالك
قال الشيخ:
والظاهر أنه ممّا لا خلاف فيه على تقدير عدم جواز التصرّف فيه… ويدلّ عليه: أنّ الإمساك آناًمّا تصرّف في مال الغير بغير إذنه فلا يجوز، لقوله عجّل اللّه فرجه… ولو نوقش في كون الإمساك تصرّفاً، كفى عموم قوله صلّى اللّه عليه وآله: لا يحلّ مال امرئ مسلم… .
أقول:
قوله: «على تقدير…» إشارة إلى قول الشيخ وابن ادريس بجواز التصرّف فيه[1].
[1] وفصّل السيّد فقال: «لا ينبغي الإشكال في عدم جواز التصرف فيه مع جهل الدافع، وأمّا مع علمه فيمكن الإشكال فيه وإنْ كان باقياً على ملكه، وذلك للإذن فيه في ضمن التمليك، ودعوى أنّ الإذن مقيّد بالملكية وهي غير حاصلة، مدفوعة بأنّ القيد ليس إلاّ الملكية في اعتبار البائع وهي حاصلة… والحاصل: إنّ المقيد بقيد حاصل يكون كالمطلق، والإذن فيما نحن فيه كذلك، فإنّ قيده الملكيّة الواقعية بحسب اعتبار المتبايعين والمفروض بناؤهما عليها بحسب إنشائهما… هذا التمليك له حيثيّان، فهو إذنٌ من حيثيّة وتمليك من اخرى، ولمّا كان التمليك محتاجاً شرعاً إلى صيغة صحيحة والمفروض عدمها، فهو غير مؤثر من هذه الجهة لعدم حصول شرطه، وأمّا من الحيثية الاخرى فهو غير مشروط شرعاً فيجوز العمل به… فيشمله عموم ما دلّ على جواز التصرّف مع الإذن وطيب النفس، وإذا جاز التصرّف فلا يجب الردّ إلى المالك فضلاً عن كونه فوريّاً. نعم، لو رجع عن إذنه وطلبه وجب الردّ إليه فوراً(2).
ويرد عليه: أن الدافع إنّما سلّم الشيء للقابض باعتبار أنه ملك له، لا أنه ملك للدافع وقد أذن له بالتصرّف فيه، فلا يشمله عموم الأدلّة التي أشار إليها. وما ذكره من «أنّ المقيد بقيد حاصل يكون كالمطلق» ففيه: إن المقيَّد لا يخرج بتحقق القيد عن البشرطيّة إلى اللاّ بشرطيّة، فوجوب صلاة الظهر المقيَّد بالزوال لا يخرج عن تقيّده بتحقق الزوال وينقلب مطلقاً بالنسبة إليه، وما نحن فيه كذلك، لأن الدافع إنّما رضي ببقاء المال بيد القابض مقيّداً بكون ملكاً للقابض لا بنحو مطلق، بأنْ يرضى ببقائه عنده وتصرّفاته فيه أعم من أن ملكاً له أو للقابض.
وبما ذكر يظهر ما في كلام المحقق الإصفهاني(3) وحاصله: إنّ الدافع المالك راض حين إقدامه على الدفع بتسلّط القابض على ملكه، فهو لمّا أقبضه خارجاً تلك العين قد أذن له بالتصرّف فيها، وذلك الإذن باق ما دامت العين باقيةً على حالها إلاّ أن يرجع المالك عن إذنه.
وذلك: لأنّ الكلام في أصل تحقّق الإذن، لأنّ المفروض أنه دفع العين في مقابل العوض الذي أخذه منه، فهو إنما دفعها إليه وفاءً بالعقد، لكونها ملكاً له، فأيّ معنى لأنْ يرضى ببقاء العين في ملكه ويأذن له بالتصرّف فيه؟

لابدّ من البحث في خمسة جهات:
الأول: هل الإمساك يصدق عليه عنوان التصرّف؟
والثانية: هل يحرم الإمساك بعد القبض أمْ لا؟
والثالثة: هل يلازم فساد البيع لعدم إذن المالك بالتصرف أمْ لا؟
والرابعة: هل يجب الردّ أمْ لا؟
والخامسة: لو احتاج الردّ إلى المؤنة فهل تجب على المشتري؟

(1) وهو الثاني في كتاب المكاسب.
(2) حاشية المكاسب 1 / 463 ـ 464.
(3) حاشية المكاسب 1 / 347 ـ 348.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *