الإيجاب بلفظ ملّكت

منها: لفظ «ملّكت»
قال الشيخ:
ومنها: لفظ «ملّكت» بالتشديد، والأكثر على وقوع البيع به، بل ظاهر نكت الإرشاد الاتفاق عليه… .
أقول:
كأنه لا خلاف بينهم في تحقّق البيع بلفظ ملّكت، حتى من القائلين باعتبار الصّراحة في اللّفظ وضرورة كون الإيجاب في كلّ معاملة بعنوانها.
وأمّا بناءً على عدم اعتبارها ـ كما هو المختار ـ فلا مجال للإشكال في كفاية قوله: ملّكت هذا المتاع بكذا.
ثم قال الشيخ:
ويدلّ عليه ما سبق في تعريف البيع: من أنّ التمليك بالعوض المنحلّ إلى مبادلة العين بالمال هو المراد للبيع عرفاً ولغة.
والظاهر أنه مسامحة في التعبير، لأنّ معنى الترادف أنْ يكون الموضوع له لفظ «البيع» هو «التمليك بعوض» أي مركّباً، والحال أنّ معناه وحداني بسيط، والبرهان عليه أنه لولم يكن كذلك يلزم أن يكون قوله: «بعت المتاع بثمن» مجازاً، لكون البيع مستعملاً في بعض الموضوع له، وهذا ممّا لا يلتزم به أحد.
ولا يتوهّم: إن «بعت» موضوع للمعنى التركيبي، أعني «التمليك بعوض» على إطلاقه بنحو الإبهام، وأنّ قوله بعد ذلك: المتاع بدراهم ـ مثلاً ـ تكرار لرفع الإبهام.
لأنّه فاسدٌ، لأنّ تكرار المبهم والمجمل من أجل البيان، يفتقر إلى كلمة «أي» التفسيريّة وما يفيد مفادها مثل كلمة «أعني».
فالحقيقة هي: إن «البيع» موضوع لتمليك خاصٍّ، بنحو أنّ التقيّد جزء والقيد خارجي، أي: إنّه التمليك بقيد تعلّقه بعوض، على أنْ يكون القيد خارجاً عن المفهوم الموضوع له والتقيّد به داخلاً فيه.
ثم ذكر الشيخ:
ما قيل: من أن التمليك يستعمل في الهبة بحيث لا يتبادر عند الإطلاق غيرها. فيه… .
فأجاب: بأنَّ هذا التبادر حاصل من الإطلاق والتجرّد لا من حاقّ اللّفظ… .
فكأنّ المايز بين الهبة والبيع هو النفي والإثبات، فإنْ ذكر العوض كان بيعاً وإلاّ فهو هبة، فيكون مجرّد عدم ذكره ـ مع كونه في مقام البيان ـ قرينةً على إرادة الهبة، فلا يتبادر الهبة من لفظ الملكية والتمليك، حتى يقال بأنّ استعمال هذا اللّفظ في البيع مجاز.
ثم قال:
إنّ تعريف البيع بذلك تعريف بمفهومه الحقيقي، فلو أراد منه الهبة المعوّضة أو قصد المصالحة بنيت صحّة العقد على صحّة عقد بلفظ غيره مع النيّة.
أقول:
إنّ هذا الكلام ناظر إلى قول السيد بحر العلوم: «يشكل الإيجاب بصيغة ملكت… ولا يجدي ذكر العين والعوض، لأن تمليكها به قد يكون بالهبة والصلح، إلاّ إذا قيّده البائع به».
وقول صاحب الجواهر تبعاً له: ودعوى كونها حقيقةً في التمليك مجّاناً، واضحة المنع. نعم، قد يشكل ذلك باحتمال غير البيع وإنْ كان نصّاً في الإيجاب، ولا يجدي ذكر العين والعوض لأن تمليكها به قد يكون بالهبة والصلح فلا يتعيّن بيعاً. لكنْ قد يدفعه التزام تقييده بالبيع فلا إشكال حينئذ، ولعلّه بذلك يرتفع النزاع…»(1).
فالشيخ يقول بالتعيّن.
فأشكل عليه السيّد:
«أقول: لا فرق بين الهبة المجانيّة والمعوّضة في كونهما من التمليك حقيقةً، وإنما الفرق ذكر العوض وعدمه، فدعوى أنّ استعماله في خصوص الهبة المعوّضة مبنيّ على صحّة عقد بلفظ غيره. نعم، في المصالحة يمكن أن يقال بالابتناء المذكور، لعدم دلالة لفظ ملّكت على معنى المسالمة المعتبرة في حقيقة الصّلح. فتدبر»(2).
وحاصله: الإشكال على ما ذكره الشيخ في الهبة، لأنه إنْ قال كذلك في الهبة ـ مطلقاً ـ لم يكن بلفظ غيره، لأنّ الهبة تمليك، أمّا في الصّلح فهو موافق للشيخ، لأن الصلح هو المسالمة، فلو صالح بلفظ التمليك كان بلفظ غيره.
وهذا الإشكال وإنْ كان متوجّهاً لظاهر عبارة الشيخ، إلاّ أنه غفلة عن أنه ناظر إلى كلام صاحب الجواهر كما ذكرنا، ولو راجع السيّد الجواهر عند كتابته الحاشية هنا لما كتبها.
ثم إنّ قول السيّد: بأنّ: «ملّكتك المتاع» وإرادة الهبة استعمالٌ حقيقي.
فيه: أنا لو قطعنا النظر عن كون «الباء» للمقابلة دخلت على شيء مجعول بدلاً، كان الحق معه. وبعبارة أخرى: إنه إنْ قال: «ملّكت بعوض» وأراد التمليك مع جعل العوض، سواء كان العوض بدلاً عن المعوَّض أو عن التمليك، ففي هذه الحالة يصحّ ما ذكره، لكنّ هذه الجملة ظاهرة في أنّ العوض بدلٌ عن المبدل لا أنه عوض عن التمليك، أمّا الهبة المعوّضة فهي عوض يملَّك لا أنّه يبدل، ومع هذا الظهور، لا مجال لإشكال السيّد رحمه اللّه.

(1) جواهر الكلام 22 / 246.
(2) حاشية المكاسب 1 / 422.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *