منها: لفظ «شريت»
قال الشيخ:
ومنها: لفظ «شريت»، فلا إشكال في وقوع البيع به، لوضعه له كما يظهر من المحكّي عن بعض أهل اللغة، بل قيل: لم يستعمل في القرآن الكريم إلاّ في البيع. وعن القاموس… .
أقول:
قال في القاموس: «شراه يشريه، ملكه بالبيع، وباعه كاشتراه، فهما ضدّان»(1).
وفي المصباح المنير: «المتاع أشريه إذا أخذته بثمن أو أعطيته بثمن، فهو من الأضداد»(2).
وفي مجمع البحرين: «شريت الشيء اشريه شرى وشراءً، إذا بعته وإذا اشتريته أيضاً، وهو من الأضداد»(3).
والقائل بأنه لم يستعمل في القرآن إلاّ في البيع هو السيّد بحر العلوم(4).
قال تعالى: (وَشَرَوْهُ بِثَمَن بَخْس…)(5).
وقال: (الَّذينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا…)(6).
وقال: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ…)(7).
قال الشيخ:
وربما يستشكل فيه بقلّة استعماله عرفاً في البيع، وكونه محتاجاً إلى القرينة المعيّنة، وعدم نقل الإيجاب به في الأخبار وكلام القدماء. ولا يخلو عن وجه.
أقول:
ذكر ثلاثة امور (1) قلة الاستعمال (2) يحتاج إلى القرينة (3) في الأخبار وكلمات القدماء لم يذكر الشراء بمعنى البيع.
وكيف يقول في الأول «لا إشكال» ثم يقول: «لا يخلو من وجه»؟
أمّا قلّة الإستعمال، فإنْ أراد المستشكل أنّ قلّة استعمال لفظ الشراء في البيع قد أدّى إلى هجر هذا المعنى، وتعيّن اللّفظ في المعنى المقابل، فتلك دعوى عليه إثباتها، مع أنّ هذا اللّفظ لم يستعمل في القرآن إلاّ في البيع كما ذكر.
وإنْ أراد أنّ استعماله في البيع قليلٌ بالنسبة إلى المعنى الآخر، فإنّ هذا إنّما يثمر في مقام الشهادة أو الإقرار، فإنه إذا شهد بأنّ زيداً باع المتاع بثمن كذا، أو أقرّ على نفسه بأنّه قد باع المتاع بكذا ثمن، يقع الإشكال في مراده من «البيع»، وأمّا في مقام البيع والشراء فلا ثمرة لهذا الكلام، إذ يعتبر في البيع عدم الغرر، وذلك يتحقّق بتعريف البائع للمثمن والمشتري للثمن، فيُعرفان معرفةً رافعةً للغرر، وإذا وُجدت هذه القرائن وحصل التعريف منهما لما بأيديهما ثم قال البائع: شريت هذا المتاع بكذا، لم يقع الشكّ في المراد من لفظ البيع، ولا تؤثّر قلّة استعماله في هذا المعنى، وتحقّق التعيّن.
وأمّا الاحتياج إلى القرينة، فقد تقدّم أنّ ذلك غير مضرّ.
نعم، لو كانت الصّراحة في ألفاظ البيع شرطاً لصحّته، لكان لما ذكر وجه، ولكنّا قدّمنا أنّ المناط هو حجيّة اللّفظ، سواء كان صريحاً أو ظاهراً بقرينة معيّنة.
وأمّا القول بعدم ورود لفظ الشراء بمعنى البيع في الأخبار وكلمات الفقهاء، فغريب، بعد ورود هذا اللّفظ للمعنى المذكور في اللغة وتصريح اللغويين بذلك.
وتلخص: لو أنّ أحداً قال في مقام إيجاب البيع: شريت هذا بكذا، ترتّب عليه الأثر، لأنّ الاستعمال حقيقي، وعلى فرض العدم، فالظهور الحالي والمقامي الحاصل من القرائن ـ كما ذكرنا ـ كاف.
(1) القاموس المحيط 4 / 347.
(2) المصباح المنير: 312 «شريت».
(3) مجمع البحرين 1 / 245.
(4) مفتاح الكرامة 12 / 495.
(5) سورة يوسف: 20.
(6) سورة النساء: 74.
(7) سورة البقرة: 90.