2 ـ قاعدة اليد
قال المحقق الخراساني:
لا يخفى أنّ السّلطنة على المال لا يقتضي جواز المطالبة بالبدل عند تعذّر ردّ عينه. نعم: لا يبعد أنْ يكون جوازها من آثار الضّمان والعهدة، فيكون قضيّته وجوب ردّ العين مع التمكّن وجواز المطالبة ببدل الحيلولة مع التعذّر في زمان وبالبدل مع التعذّر مطلقاً، … .(1)
أقول:
إنّ قاعدة اليد مغيّاة بالأداء، والعهدة إنْ كانت حكماً وضعيّاً، فكلّ حكم وضعي فيحتاج إلى مصحّح، وهو هنا مفقود، لأنّ المفروض تعذّر الوصول إلى العين، فكيف يؤدّيها؟ وإنْ كانت حكماً تكليفيّاً، فيجب عليه الأداء، فكلّ تكليف مشروط بالقدرة ومع العجز فهو ساقط، نعم، يكون عاصياً، وذاك أمر آخر.
ولو قيل: إنّ مقتضى ضمان اليد أنّ يخرج عن عهدة بدل الانتفاعات، وهو اُجرة المثل لتلك المنافع.
قلنا: إنّ هذا ثابتٌ في ذمّة الغاصب، سواء تعذّر الوصول إلى العين أوْ لا، ولا ربط له ببدل الحيلولة.
فظهر عدم تماميّة الاستدلال.
اللّهم إلاّ أنْ يقال: إنّ مقتضى الحديث أنه إن أمكن أداء الشيء فهو، وإنْ تلف فعليه دفع البدل، لكنْ لا موضوعيّة للتّلف بل المناط انقطاع يد المالك عن الشيء وخروجه عن استيلائه عليه، فيعمّ صورة تعذّر الوصول إليه، وتبقى مشكلة الجمع بين البدل والمبدل.
لكنّ الحديث ضعيفٌ للغاية، ونحن لا نعتمد على قاعدة اليد إلاّ في موارد الإجماع، فإنْ قام الإجماع على بدل الحيلولة فيما نحن فيه فهو، وإلاّ فالإستدلال ساقط.
وعلى الجملة:
المال المأخوذ من المالك غصباً أو ببيع فاسد، وتعذّر الوصول إليه ولم يمكن ردّه، لغرق أو سرقة، فالفتوى على وجوب دفع بدل الحيلولة، وقد استدلّ له تارة: بقاعدة السّلطنة، وقد بيّنا عدم تماميّة الاستدلال بها، واُخرى بقاعدة اليد، ولكنْ لا وجه له، ويشكل بلزوم الجمع بين العوض والمعوّض. وقد أجاب الشيخ عن هذا الإشكال بأنّ بدل الحيلولة هو بدل السّلطنة، لا بمعنى الحكم الشرعي الوضعي بل بدلاً عن الاستيلاء الخارجي، ولذا قال المحقق الخراساني: نعم…
وتوضيح كلامه:
إنّ معنى الحديث: أن على ذي اليد الآخذ ما أخذت يده، فعلى عهدته ردّ العين ما دامت موجودةً، وخروجها عن القدرة على الردّ غير مخرج لها عن الملكيّة، نظير المفلّس، فإن عجزه عن أداء الديون غير مسقط لها عن عهدته، فالعهدة باقية وإنْ تعذّر الوصول إلى العين، ومن لوازم العهدة أنها إنْ تلفت وجب عليه دفع المثل أو القيمة، وكذا لو كان الوصول إليها متعذراً، فإنه بمثابة التلف، وعليه دفع بدل السّلطنة الخارجيّة إلى المالك.
ثم يقع الكلام في أنّه يملك البَدَل أو يجوز له الانتفاع به؟ إن قلنا: يملك، لزم الجمع بين العوض والمعوّض، لأنّ المفروض أن المتعذّر الوصول إليه ما زال في ملكه، ولذا قال ليس هنا ملكيّة مطلقة لعدم دلالة دليل عليه ـ كما في ملكيّة بدل التالف ـ بل أنّ له السّلطنة على التصرّفات في البدل بجميع أنحاء التصرّفات حتى المتوقفة على الملك.
وفيه: إنّ مستند قاعدة اليد حديث عاميّ،(2) رووه عن سمرة بن جندب اللّعين، وإنما نقول بضمان اليد حيث قام الإجماع ودلّت النصوص عليه، وأمّا في غير ذلك فلا نقول به، وعليه، فالقدر المتيقن ـ بعد تسليم ما ذكره الشّيخ والمحقق الخراساني في القاعدتين ـ هو إباحة التصرّفات، ولا دلالة لهما على التصرّفات المتوقفة على الملك.
(1) الحاشية على المكاسب: 25.
(2) مستدرك الوسائل 14 / 8 ، كتاب الوديعة، الباب 1 رقم: 12.