هل يعود البدل إلى ملك الضامن بمجرّد التمكن من ردّ العين؟
قال:
وهل الغرامة المدفوعة تعود ملكيّتها إلى الغارم بمجرّد طرّو التمكّن، فيضمن العين من يوم التمكّن ضماناً جديداً… أو أنها باقية على ملك مالك العين، وتكون العين مضمونة بها لا بشيء آخر… وأمّا الضمان وعهدة جديدة، فلا؟ وجهان، أظهرهما الثاني، لاستصحاب كون العين مضمونة بالغرامة…
وتوضيح الوجه الثاني هو: إن العين المتعذّرة في عهدة الضّامن من أجل اليد عليها، فما دام لم تصل إلى المالك فالضمان باق.
ولا يقال: يعود البدل بمجرّد التمكّن.
لأنّ بدل الحيلولة كان بدلاً عن العين المتعذّرة، وهي في عهدة الضّامن، ولا أثر لمجرّد التمكّن، لأنّ البدل إمّا هو بدل عن السّلطنة على التصرّفات كما عليه الشيخ، وإمّا هو بدل عن ماليّة العين كما هو التحقيق، وعلى كلّ تقدير، لا يعود البدل ما لم يُردّ المبدل ـ وهو العين ـ إلى المالك.
وعلى الجملة، فإن العين ما لم تعد إلى يد المالك خارجاً، أو لم يقدر المالك على التصرّفات الخارجيّة فيها، لا يخرج البدل عن بدليّته، فلا يكفي مجرّد التمكّن من العين لأنْ يعود البدل إلى الضّامن، كما أنه لا يوجب عود سلطنة المالك على العين، حتى يلزم من بقاء ملكيّته على الغرامة الجمع بين العوض والمعوّض كما ذكر الشيخ.
قال الشيخ:
فإنْ دفع العين، فلا إشكال في زوال ملكيّة المالك للغرامة…
ويتحصّل مما ذكر: إنه إنْ دفع الضّامن العين إلى المالك زالت ملكيّته عن الغرامة، بلا إشكال، لأن البدل إنْ كان بدلاً عن السّلطنة فيكون مباحاً للمالك، فالمفروض رجوع السّلطنة، وبذلك ترفع الإباحة، وإنْ كان بدلاً عن ماليّة العين وهو ملك لمالكها، فقد تقدّم أنّ التعذّر كان هو الموضوع لكون البدل ملكاً للمالك بدلاً عن ملكه، فإذا زال التعذّر وعادت العين إلى المالك، لم يصدق على المدفوع عنوان بدل الحيلولة، وحينئذ تنتفي الملكية، لأنّ الحكم يدور مدار عنوان موضوعه دوران المعلول مدار علّته، فإذا زال زال، نظير ما إذا وقف داره على ولده السّاكنين في البلد، فمن خرج عن البلد خرج عن تلك الملكيّة الخاصّة، لأنها كانت تدور مدار ذلك.
فسواء كان بدل الحيلولة بدلاً عن السّلطنة أو عن الماليّة، فإنه بمجرّد عود العين إلى المالك يعود البدل إلى الضّامن.
وأمّا النماء المنفصل، فعلى القول الثاني، تكون النماءات في ملكه، سواء المتّصلة أو المنفصلة، ولو تلف شيء منها فقد تلف في ملكه ولا ضمان عليه.
وأمّا بناءً على القول الأوّل، فللمالك التصرّف بالنماءات بأنحاء التصرّف، فيقع الإشكال في التالف، أمّا المتصل، فيمكن القول بعدم ضمانه لأنّ نماءات بدل الحيلولة ليست نماء العين المضمونة، وأمّا المنفصل الذي له وجود خارجي، فهو ضامنٌ له،
فإطلاق القول بعدم الضمان في المنفصل غير تام.
وتنقيح المقام هو:
إنْ كان بدل الحيلولة بدلاً عن السّلطنة، فهل بمجرّد تمكّن الغاصب من ردّ العين ترتفع سلطنة المالك عن البدل، أوْلا إلاّ بعد رجوع العين إليه خارجاً؟
وليس المراد من السّلطنة ـ التي كان البدل بدلاً عنها ـ السّلطنة الفائتة من المالك على ملكه، وإلاّ يلزم أنّه لو أرجع الغاصب العين إلى المالك وجب عليه دفع شيء بدلاً عمّا فات عنه من السّلطنة، وهذا ما لا يقول به أحد، لأنّ مقتضى حديث على اليد ردّ العين، لا ردّها مع شيء زائد، بل المراد أصل السّلطنة، فالتوهّم المذكور ضعيف للغاية كما قال الشيخ.
قال الشيخ: أظهرهما الثاني…
فإنّه ما لم تعد سلطنة المالك على العين برجوعها إليه خارجاً لا يعود ملك البدل إلى الضّامن، ومجرّد التمكن من إيصال العين إلى المالك لا يصدق عليه عنوان السّلطنة الخارجيّة، ولو فرض الشك، جرى استصحاب بقاء سلطنة المالك على البدل بعد التمكن وقبل الرجوع خارجاً.
هذا على مبنى الشيخ.
وأمّا على مبنى أنّ البدل بدلٌ عن الماليّة وهو ملك لمالك العين، فيمكن أن يتمسّك بالاستصحاب كذلك.
ولقائل أن يقول: إنّ المالك إنما يملك البدل عوضاً عن ماليّة العين السّاقطة بسبب تعذّر الوصول إليها لأنّ المال ما تميل النفوس اليه، والشيء المتعذّر الحصول لا يمتل إليه النفوس ـ ومع التمكّن من الحصول على العين، تعود الماليّة إليها وتصير بمثابة المال الغائب، وحينئذ، يرجع البدل إلى الغاصب.
إلاّ أنه يجاب عنه: بأن لازم عود البدل إلى الضّامن بمجرّد التمكّن من ردّ العين إلى المالك، أنْ لا يكون ضامناً للعين لو تلفت في البين، لفرض زوال الضمان الأوّل وعدم تحقق ضمان جديد، وهذا مما لا يلتزم به.
ولو قيل أيضاً: بأن الضّامن قد خرج عن الضمان بدفع البدل ولم يتحقق ضمان آخر، فلو تمكّن من ردّ العين وعادت الماليّة إليها بذلك، ورجع البدل إلى الضّامن ـ لأنه كان بدلاً عن الماليّة وقد عادت ـ فما الدليل على وجوب تسليم العين إلى المالك؟
وبعبارة اخرى: لقد كان وجوب ردّ العين إلى المالك على أثر الضّمان، والمفروض ارتفاع الضّمان بدفع البدل وكونه ملكاً للمالك، وعدم تحقق ضمان جديد، فلماذا يجب ردّ العين خارجاً إلى مالكها؟
وأيضاً: وجوب إرجاع العين إلى المالك إنما هو لأجل الضّمان، فهو موقوف عليه، لكنّ الضمان منوطٌ بالبدل، فلو كان دفع بدل الماليّة متوقّفاً على إرجاع العين لزم الدور، فلا مناص من القول بعود البدل بمجرّد التمكّن.
والجواب عن ذلك كلّه يظهر مما تقدّم في حديث على اليد، فقد قلنا بأنّ «على» تفيد الضمّان، والضمّان هو الكفالة لغةً وعرفاً، وللكفالة اقتضاءان: ردّ العين، فإنْ تعذّر فالبدل عن الماليّة، فإرجاع العين هو مقتضى القاعدة والذمّة به مشغولة، والبدل كان بدلاً عن ماليّة تلك العين المضمونة ما دامت متعذّرةً، وبمجرّد التمكّن منها يتوجّه إليها الحكم بوجوب الردّ بمقتضى القاعدة، فإذا رُدّت عاد البدل إلى الضّامن.
قال الشيخ:
ولولم يدفعها لم يكن له مطالبة الغرامة أوّلاً… نعم، للمالك مطالبة عين ماله…
أقول:
إن كان بدل الحيلولة عوضاً عن العين، بأنْ تقع بينهما المعاوضة القهريّة شرعاً ـ كما قال بعضهم ـ جاز له أن يطالب بالبدل ولا يدفع العين إلاّ بعد وصول البدل إليه، لأنّ هذا مفهوم العوضيّة، فلكلٍّ منهما المطالبة بعين ماله.
ولكنّ الصّحيح بقاء العين على ملك مالكها والبدل بدلٌ عن الماليّة، فللمالك أن يطالب بعين ماله، وليس للضّامن المطالبة بالبدل، لأنها كانت بدلاً عن ماليّة ما في عهدته، وما لم يخرج عن العهدة بدفع العين، لم يجز له المطالبة بالبدل.
وربما يقال: إنّ وجوب ردّ العين إلى مالكها على الضّامن يلازم كونه ضامناً فعلاً للعين، والضّمان للعين إنما يكون حيث يرجع إليه بدل الحيلولة، إذ لو كان ملكاً لمالك العين لارتفع الضمان عن الضّامن. فالقول بعدم رجوع البدل إلى الضامن بمجرّد تمكّنه من إيصال العين وبقائه على ملك مالك العين الملازم لعدم الضّمان، والقول بوجوب ردّ العين الملازم لكونه ضامناً، جمع بين المتناقضين.
وأيضاً: وجوب إيصال العين إلى مالكها متوقف على الضّمان، والضّمان متوقّف على رجوع البدل، فلولم يرجع فلا ضمان، فرجوع البدل إلى الضّامن يتوقّف على إيصال العين وإيصال العين يتوقّف على الضمان، والضمان يتوقف على رجوع البدل، فرجوع البدل يتوقف على رجوع البدل. وهذا دور.
أفاده الميرزا الاستاذ في الدورة الثانية(1).
والجواب ظاهر مما تقدّم، فإن وجوب إيصال العين إلى مالكها مسبّب عن الضّمان الأوّل، فكان الواجب عليه ردّ نفس العين، ثمّ يكون الواجب عليه دفع البدل في فرض تعذّر العين، فإذا تمكّن من ردّ العين أثّر الضّمان الأوّل أثره، فلا مانع من الجمع بين القولين ولا دور.
وأمّا التمسّك باستصحاب بقاء ملك المالك على البدل، واستصحاب عدم استحقاق الضامن له، فمن الواضح أنّه متأخّر عن الدليل، وقد قال المحقق الخراساني: الظّاهر أن الغرامة المدفوعة لا تعود إلى ملك الغارم بمجرّد حدوث تمكّنه من ردّ نفس العين ما لم يردها، حيث إنّ العرف الحاكم في باب كيفيّة الغرامات إنما يكون بناؤهم على العود بالردّ لا بالتمكّن.(2)
وهذا عجيب جدّاً، لأنّ بناء العرف على عدم عود الغرامة إلى الضّامن ما لم تسلّم العين إلى المالك، لا أنها تكون ملكاً للضّامن.
وقال شيخنا الاستاذ: إنّ التعذّر لا يسبّب ملكيّة الغرامة، بل هو سبب استحقاق المالك للغرامة ووجوب دفعها على الضّامن، وبمجرّد الدفع يسقط الوجوب ويصل الحقّ إلى صاحبه ويملك المالك البدل، فالقول برجوع البدل إلى الضامن بمجرّد التمكن من ردّ العين، بلا وجه.(3)
والتحقيق:
إنه بمجرّد التمكّن من ردّ العين يرجع البدل إلى ملك الضّامن، أمّا وجوب دفع بدل الحيلولة، فالدليل عليه ليس إلاّ النصوص، ففيها: «ضاع» أو «سرق» أو «غرق» أو «هلك». والجامع بين هذه العناوين هو عدم إمكان الوصول إلى الشيء، لأنّ الشيء إذا «هلك» لا يعود حقيقةً، وإذا «ضاع» أو «سرق» ونحو ذلك لا يعود عادةً، فالجامع بين هذه العناوين ـ إذْ جاءت في سياق واحد ـ هو ما ذكرناه، وهذا الجامع موجب للضّمان والكفالة، ويستفاد أيضاً من ورودها في سياق واحد: أنّ الذي يضمنه الغاصب هو ماليّة ملك الغير، لا أن الشيء يخرج عن ملك المالك ويكون ملكاً للضامن إذا دفع بدل الحيلولة، لأن الهالك لا يملك، ويشهد بكون المضمون هو الماليّة التعبير في بعض النصوص بـ«الغرامة» و«القيمة» و«الثمن».
فالمستفاد من وحدة السّياق في النصوص: أنه لو غصب مال الغير وتعذّر الوصول إليه، ضمن الغاصب ماليته وهو باق على ملك المالك غير خارج عن ملكه، نعم، هو ملك بلا ماليّة، فالغرامة غرامة العين المسروقة… ثمّ إذا أمكن الوصول إلى العين تبدّل العنوان الجامع وعادت الماليّة إلى ملك المالك، وإذا عاد المبدل إلى المالك عاد البدل ـ وهو بدل الحيلولة ـ إلى الضّامن، ولا وجه لبقائه بيد المالك بل هو خلف.
(1) المكاسب والبيع 1 / 388.
(2) الحاشية على المكاسب: 26.
(3) حاشية كتاب المكاسب 1 / 450.