هل يعتبر تعيين الموجب للمشتري؟
قال:
ثم إن ما ذكرنا كلّه حكم وجوب تعيين كلّ من البائع والمشتري من يبيع له ويشتري له. وأمّا تعيين الموجب لخصوص المشتري المخاطب والقابل لخصوص البائع، فيحتمل اعتباره إلاّ… ويحتمل عدم اعتباره إلاّ…
أقول:
كان الكلام فيما إذا تعيّن العوضان بالوجود الخارجي أو الثبوت في الذمّة، حيث ذكر صاحب المقابس ثلاثة وجوه، وفيما إذا لم يتعيّنا لا خارجاً ولا في ذمّة قال بأنه لابدّ من تعيين الذمّة ولا يصحّ البيع مع الإبهام والتردّد، وذكر لذلك أدلّةً مقتضى الإنصاف تماميّتها، والشيخ وافقه على ذلك إلاّ أنّه جعل تعيين المالكين مقدّمةً لتعيين العوضين.
ثمّ يقع الكلام في تعيين الموجب خصوص المشتري، فذكر الشّيخ وجهين كما سيأتي توضيحه.
ولا يخفى أنّ هذا البحث يفترق عمّا وقع البحث عنه سابقاً من اشتراط التطابق بين الإيجاب والقبول، إذ قلنا هناك: إن البيع التزام في التزام، فلولا التطابق لما تحقّق هذا المفهوم، فقول المحقق الخراساني قدّس سرّه:
لا يخفى أن العقد لمّا كان أمراً ربطيّاً بين إلاثنين لم يكد يتحقّق إلاّ إذا تواطئا وتوافقا بحسب القصد. فلو قصد أحدهما تمليك الآخر نفسه وقصد الآخر تمليك غيره وكالةً أو فضولا لم يتواطئا على واحد، فلا عقد بينهما، بل من كلّ واحد منهما إيقاع ـ نعم، ربما يقال بأنه يكفي قصد أحدهما ما يقصد الآخر إجمالا في البيع وإنْ لم يعرفه تفصيلا، إذ لم دليل على تعيينه كما في النكاح بالنسبة إلى تعيين الزوج والزوجة، كما أنّ دليل نفي الفور دلّ على لزوم تعيين العوضين فيه وعدم كفاية توافقهما على ما عيّنه أحدهما بحسب قصده، وبالجملة: اعتبار تعيين ما توافقا عليه شئ آخر، والذي لابدَّ منه في تحقّق العقد التواطؤ على واحد بحسب القصد…(1)
في غير محلّه، لأنّ التطابق المذكور قد بحث عنه الشيخ مشروحاً، وهو أمرٌ ثبوتي واقعي، وأمّا هنا، فيستدلّ بظاهر الكلام، فهو ناظر إلى مقام الإثبات، ومحطّ البحث هو: إنّ قول البائع «بعتك» ظاهر في إرادة البيع من خصوص المخاطب، فهل للمشتري أنْ يقول: «قبلت لغيري» أوْ لا؟ وجهان:
أحدهما: اعتبار أنْ يكون المشتري هو المخاطب، ولا يصحّ منه القبول لغيره، لأنّ البائع إنما قصد تمليك متاعه للشّخص المعين بكاف الخطاب مثلاً، وعلى المشتري أنْ يرتب الأثر على ما قصده البائع، إلاّ فيما علم من الخارج عدم إرادة خصوص المخاطب لكلٍّ من المتخاطبين…
والآخر: عدم اعتبار ذلك، وللمشتري أن يقبل لغيره إلاّ فيما علم من الخارج إرادة خصوص الطرفين، كما في النكاح والوقف الخاص والهبة والوكالة والوصية، حيث تلحظ في هذه الموارد خصوصيّات الأفراد.
(1) حاشية المكاسب: 27.