صور المسألة و النظر فيها
قال الشيخ:
وتوضيح الأقسام المتصوّرة في الفرع المذكور…
أقول:
ونحن نذكر الصّور الستّ ونبيّن مرام الشّيخ ونتكلّم على ذلك:
الصّورة الاولى
أنْ لا يكون للإكراه دخل في الفعل أصلاً، بأنْ يوقع الطلاق قصداً إليه من طيب النفس، بحيث لا يكون الداعي إليه هو الإكراه. ولا يخفى بداهة وقوع الطلاق هنا، وعدم جواز حمل كلام العلاّمة عليه، ولا معنى لجعله أقرب وذكر احتمال عدم الوقوع في المسالك، لأنّ من له طيب نفس بتحقق المضمون، وهو يحصل من الإنشاء باللّفظ، ولا يعقل الرضا بالمعلول دون العلّة، فهو راض بإنشائه أيضاً.
الصورة الثانية
أن يكون الداعي للطلاق هو الإكراه، بضميمة شيء آخر اختياري للفعل، كالعجز عن النفقة مثلاً.
وفي هذه الصّورة أيضاً حكم الشيخ بوقوع الطلاق، قال: لا ينبغي التأمّل في ذلك.
أقول:
هنا صورتان، إحداهما: أنْ يكون كلٌّ منهما بوحده مستقلاًّ في التأثير، لكنّهما اجتمعا صدفةً. والاخرى: أنْ لا يكون كذلك، بل يكون كلّ منهما جزءً للعلّة. وهنا وجوه: الصحّة في الاولى والبطلان في الثانية، والبطلان مطلقاً، والصحّة كذلك.
تقريب البطلان: إن الإكراه يقتضي البطلان والداعي النفساني يقتضي الصحّة، والصحّة وعدمها متناقضان، والمتناقضان لا يجتمعان، ولا معنى لأن يؤثر أحدهما دون الآخر، فكلاهما غير مؤثر، فالإيقاع الواقع بعنوان الطلاق لا دليل على صحته، بل أصالة الفساد جارية فيه.
وإنْ شئت فقل: إن الداعي النفساني يقتضي التأثير، والإكراه مانع عن ذلك، وإذا اجتمع المقتضي والمانع لم يعقل تحقّق الأثر.
وتقريب الصحّة: إنّ الإكراه عبارة عن الحمل على ما تكرهه النّفس الإنسانيّة، ولكنّ المفروض وجود الداعي النفساني على الطلاق والرّضا به، ومعه لا موضوع للإكراه، فالطّلاق الواقع صحيح.
إذن، لا يمكن المساعدة مع إطلاق كلام الشيخ، فإمّا البطلان مطلقاً وإمّا التفصيل.
وهنا صورة ثالثة، وهي أنْ لا يكون الإكراه سبباً مستقلاًّ ولا جزءً للعلّة بل مبدءً للرّضا وحصول القصد، كما لو أكرهت المرأة زوجها على الطلاق وكان سوء خلقها باعثاً على الرّضا بطلاقها، فلو طلّقها والحال هذه كان صحيحاً.
الصّورة الثالثة
أنْ يكون وقوع الفعل لا من جهة التخلّص عن الضّرر المتوعّد به، بل من جهة دفع الضرر اللاّحق للمكره ـ بالكسر ـ كمن قال له ولده: طلّق زوجتك وإلاّ قتلتك أو قتلت نفسي، فطلّق الوالد خوفاً من قتل الولد نفسه أو قتل الغير له إذا تعرّض لقتل والده.
الصورة الرابعة
أن يكون الداعي على الفعل شفقةً دينيّةً على المكره ـ بالكسر ـ أو على المطلّقة أو على غيرهما ممن يريد نكاح الزوجة لئلاّ يقع الناس في محرّم.
قال الشيخ:
والحكم في الصّورتين لا يخلو عن إشكال.
أقول:
لا يبعد تحقق الإكراه في الصّورة الثالثة، إذْ لا فرق بين أنْ يكون الضّرر متوجّهاً إلى المكره ـ بالكسر ـ أو المكره ـ بالفتح.
أمّا في الرّابعة، فلابدّ من القول بالصحّة، لأنّ الغرض الديني إنما يترتب على الطّلاق الصحيح، وقد وقع منه عن الرّضا والقصد.
الصّورة الخامسة
أن يكون قصد الفعل لأجل اعتقاد المكره أنّ التخلّص من الضّرر المتوعّد به لا يتحقّق إلاّ بإيقاع الطلاق حقيقةً، لغفلته عن أنّ التخلّص غير متوقف على القصد إلى وقوع أثر الطلاق وحصول البينونة، فيوطّن نفسه على رفع اليد عن الزوجة ويوقع الطلاق قاصداً. وهذا كثيراً مّا يتّفق للعوام.
الصورة السادسة
أنْ يكون توطين نفسه وإعراضه عن زوجته من جهة جهله بالحكم الشّرعي، فزعم أنّ الطلاق يقع مع الإكراه، فإذا أكره على الطلاق طلّق قاصداً لوقوعه، لأنّ القصد إلى اللّفظ المكره عليه بعد اعتقاد كونه سبباً مستقلاًّ في وقوع البينونة يستلزم القصد إلى وقوعها، فيرضي نفسه بذلك ويوطّنها عليه. وهذا أيضاً كثيراً ما يتّفق للعوام.
قال الشيخ:
والحكم في هاتين الصّورتين لا يخلو عن إشكال، إلاّ أنّ تحقّق الإكراه أقرب.
أقول:
والتحقيق في الصّورتين أنه إن كان قاصداً حقيقةً، فالطلاق صحيح، والعلم عند الله.
Menu