صور المسألة
1. فإن كان الواحد لا بشرط، فاُكره على بيع أحدهما وكان يمكنه ذلك لعدم الملازمة، لكنّه باع كليهما تدريجاً، قال الشيخ قدّس سرّه:
الظاهر وقوع الأوّل مكرهاً دون الثاني، مع احتمال الرجوع إليه في التعيين، سواء ادّعى العكس أمْ لا.
أقول:
ومقتضى القاعدة أنْ يقال: بمجرّد بيع الأوّل يخرج عن الإكراه، ويكون بيع الثاني صحيحاً، لكونه بطيب نفس منه كما هو ظاهر الحال. بل لو ادّعى كون الثاني عن إكراه فدلّ بالملازمة على أن بيع الأوّل بطيب نفس منه، صحّ البيع في كليهما.
قال الشيخ:
2. ولو باعهما دفعةً، احتمل صحة الجميع، لأنه خلاف المكره عليه، والظاهر أنه لم يقع شيء منهما عن إكراه، وبطلان الجميع، لوقوع أحدهما مكرهاً عليه ولا ترجيح. والأول أقوى.
أقول:
وفيه: إن بيعهما دفعةً في الواحد اللاّبشرط ليس خلاف المكره عليه، لأن اللاّبشرط يجتمع مع ألف شرط. نعم هذا التعليل في محلّه لو كانت الوحدة عدديّة. وعليه، فهل يقبل الإنشاء الواحد لأن يكون إكراهيّاً من حيث وعن طيب نفس من حيث، أوْ لا؟
وجه القبول هو: إنّ هنا تمليكين ـ لأن الملكيّة من الامور ذات الإضافة، فإذا تعدّدت الملكيّة تعدّد التمليك ـ وإنْ كان التعبير واحداً، وإذا تعدّد التمليك كان أحدهما باطلاً، لكونه عن إكراه والآخر صحيحاً لكونه عن طيب نفس منه، والمرجع في التعيين هو القرعة.
3. ولو كان بين العبدين ملازمة، لعدم المشتري لأحدهما وحده، فربّما يقال(1): بأنّ الإكراه على أحدهما يستلزم الإكراه على كليهما. وهو سهوٌ، لأنه قد اُكره على أحدهما، والمحذور يترتّب على تركه، إلاّ أنه قد اضطرّ بسبب خارجيّ لبيع كليهما، لا أنّ الإكراه سرى إلى ذلك، فكان بيع أحدهما عن الإكراه وبيع الآخر عن الإضطرار. أمّا ذاك فباطل كما هو واضح، وكذا المضطرّ إلى بيعه، لأنه بحكم المكره عليه، لتقوّم بيع المكره عليه ببيعه.
4. وإنْ كان الواحد بالوحدة العدديّة، فباع كليهما تدريجاً، كان بيع الأوّل مكرهاً عليه، وارتفع بذلك موضوع الإكراه، فبيع الثاني صحيح. ولو ادّعى كون الثاني عن الإكراه، صحّ بيع كليهما، لأنّ لازمه كون الأوّل عن طيب نفس منه وقد ارتفع به الإكراه.
وقال في المقابس: لو باع بعقدين، فالأوّل هو المكره عليه دون الثاني، إلاّ أن ينوي عكس ذلك فيتبع ويصدّق فيه، لأنه أبصر بنيّته(2).
وخالفه الشيخ فقال: مع احتمال الرجوع إليه في التعيين، سواء ادّعى العكس أمْ لا.
ولا وجه لهذا الاحتمال، إلاّ ما صرّح به سابقاً من أنّ المكره من لا يقصد تحقّق مضمون العقد في الخارج، فلمّا أوجد البيعين ولم يقصد تحقّق مضمون أحدهما، لزم الرجوع إليه في التعيين، لأن ذلك لا يعلم به إلاّ من قبله.
ولكنّ التحقيق: أنه لا وجه ـ على جميع التقادير ـ لاحتمال كون بيع الثاني مكرهاً عليه، لأنّ الإكراه قد ارتفع ببيع الأوّل، سواء قصد تحقّق مضمونه في الخارج أوْ لا.
نعم، لو باع الأوّل واشترط عليه المشتري بيع الثاني أيضاً منه وإلاّ يفسخ، أمكن توهّم فساد بيع الثاني كذلك، لكونه وقع فراراً من الوقوع في محذور الإكراه. لكنّه يندفع: بأنّ البيع الإضطراري مقدّمةً للتخلّص من الضرر ـ كبيع الدار لأداء الدين أو لإعاشة العيال ـ صحيح، كما تقدّم سابقاً.
5. ولو باع العبدين دفعةً، كان بيعه مبايناً لما اُكره عليه ومخالفاً لغرض المكره، فيكون بيعه صحيحاً وفاقاً للشيخ. واحتمال بطلان الجميع بلا وجه.
6. هذا، وقد اختلف الفقهاء فيما لو اُكره على بيع أحد العبدين ـ بالوحدة اللاّبشرط ـ فباعهما معاً، على أقوال:
صحة بيعهما. وهو مقتضى إطلاق كلام الشيخ.
بطلان أحدهما وصحة الآخر والتعيين بالقرعة. احتمله السيّد(3).
بطلانهما إذا استلزم أحدهما بيع الآخر. قاله المحقق الخراساني(4).
والميرزا الاستاذ وافق الشيخ على صحتهما جميعاً(5).
والشيخ الاستاذ(6) قال ببطلانهما مطلقاً، وأنه لا يمكن القول بصحّتهما، لأن هذا البيع يتضمّن بعضه الإكراه عليه. والرجوع إلى القرعة في غير محلّه، لأن القرعة لكلّ أمر مجهول عندنا متعيّن في الواقع، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل، والقول بأنّ الواحد المعيّن صحيح والآخر فاسد، فتعيين بلا معيّن، وأنّ أحدهما لا بعينه صحيح باطل، لأنّ الواحد لا بعينه لا ماهيّة له ولا وجود.
وإذْ لا وجه للصحّة لا لكليهما ولا لأحدهما، فالبطلان.
والمختار عندنا صحّتهما جميعاً، في الواحد بقيد الوحدة، مطلقاً، أي سواء استلزم بيع أحدهما بيع الآخر أوْ لا، باع الآخر عن رغبة منه أوْ لا. وقد تقدّم برهاننا على ذلك.
وأمّا في الواحد اللاّبشرط، فالحق هو التفصيل بين صورة استلزام بيع أحدهما لبيع الآخر وصورة عدم الاستلزام.
فعلى الثانية: يكون الإنشاء الواحد لبيعهما معاً قد صدر عن الإرادة، وهي غير منبعثة عن الإكراه، لعدم الإكراه إلاّ على أحدهما.
لكنْ إذا كان الدليل على بطلان بيع المكره هو آية التجارة عن تراض، فإن هذا الإنشاء غير ناشئ عن الرّضا، لأنّ أحدهما مكره عليه.
إلاّ أن يقال: بأنّه إنْ كان ملتفتاً إلى أن بيع أحدهما الذي هو راض ببيعه رافع للإكراه، فباعهما معاً، كان بيعه لهما عن طيبة نفس منه فيكون صحيحاً، ويختصّ البطلان بما إذا لم يكن ملتفتاً إلى ذلك.
وأمّا على الأولى، فهو وإنْ كان مكرهاً على بيع الواحد، إلاّ أنه مضطرّ إلى بيعهما معاً لسبب من الأسباب، فربما يقال: بأن الإكراه على أحدهما يسري إلى الآخر، فكلاهما مكره عليه، لأن معلول المعلول معلول. ولكنّ هذا سهو، لأنّ بيع الثاني هو من جهة الاضطرار واللاّبديّة، وهذا غير الإكراه، فالالتزام بالصحّة في أحدهما والبطلان في الآخر هو الصّحيح.
هذا، والمرجع للتعيين هو القرعة، لأنّ المختار عندنا في قاعدة القرعة هو عدم اعتبار تعيّن الواقع، بل الملاك كون المورد مشكلاً، كما يرجع إلى القرعة في تعيين السّهام في الملك المشاع مع عدم التعيّن الواقعي. وكذا فيما لو تزوّج بالمرأتين في اليوم الواحد، فحقّ المضاجعة في اللّيلة الاولى يعيّن بالقرعة. وأيضاً: لو طلّق إحدى زوجاته، فالقرعة هي التي تعيّن، فالقرعة لكلّ أمر مشكل، وما نحن فيه من هذا القبيل.
(1) حاشية المحقق الخراساني: 28.
(2) مقابس الأنوار: 117.
(3) حاشية المكاسب 2 / 64.
(4) الحاشية على المكاسب: 28.
(5) منية الطالب 1 / 195.
(6) الحاشية على المكاسب 2 / 54 .