صحّة الاستدلال بما تقدّم
ويمكن الجواب عمّا ذكر بأن: كلّ فعل صادر من الإنسان فله علّة غائيّة، ويكون تصوّرها هو الدّاعي لصدوره، وتلك الغاية قد تكون موافقةً للرّغبة الطبيعيّة وقد تكون مطابقة للميل العقلائي، وعلى كلّ تقدير، فإنه لا يلزم وقوع البيع عن الرغبة الطبيعيّة بل يكفي الميل العقلائي، لكنّ المهمّ هو أنّ العقلاء لا يفعلون الفعل إلاّ بداعي الحصول على الفائدة المترتّبة عليه، والفائدة المترتبة على البيع قد يكون أداء الدين أو إعاشة العيال، وقد تكون التخلّص من إكراه الظالم.
ثم إنّه من الواضح أنّ مناط صحة المعاملات لا ينحصر في الطيب الطبعي، ضرورة أنّ البيع الذي دعت إليه الحاجة الضرورية صحيح، وإنْ كان مكروهاً طبعاً، بل ولو كان لدفع مال اُكْرِهَ عليه، فإنّه لا شبهة في صحة البيع إذا كان لدفع ضرر الغير بدفع الثمن الذي اُكْرِهَ على دفعه.
فيعلم أنّ المناط مجرد الطيب الأعم من الطبعي والعقلي، فعقد المكره غير فاقد لما هو موجود في غيره من الشرط وهو الطيب، وإنّما لا ينفذ لوجود المانع المفقود في غيره وهو كونه مكرهاً عليه، فالمناط هو الإكراه لا الكره.
وعليه، فلا يصح الاستدلال على فساده بقوله تعالى (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراض) أو «لايحل إلاّ عن طيب… الخ» لوجود الرضا والطيب، بل الصحيح الاستدلال بمثل حديث الرفع وأخبار طلاق المكره وأشباهها.(1)
وبعبارة اخرى: الدّاعي تارةً هو الفائدة المترتبة على نفس البيع، واخرى: هو الجري على طبق الإكراه.
فالآية والرواية دالّتان على اشتراط أنْ تكون التجارة عن تراض بها بما هي تجارة، لا على اشتراط الرّضا في أمر آخر تكون التجارة مصداقاً له، والبيع عن إكراه ليس تجارةً بما هي تجارة.
فالاستدلال تام والإشكال مندفع.
(1) حاشية المكاسب 2 / 39 ـ 40.