رأي الاستاذ
والذي اختاره شيخنا هو أنّه إنْ اُريد من قولهم : « لكلّ علم موضوع » ضرورة وجوده لكلّ علم ، بنحو القضيّة الحقيقيّة ـ أي : كلّما وجد وتعنون بعنوان العلم فلابدّ وأن يكون له موضوع ـ فهذا مالا دليل عليه . وإنْ اُريد منه القضيّة الخارجيّة ، بمعنى أن العلوم المدوّنة ـ كعلمي الطب والهندسة وغيرهما لها موضوعات تجمع بين مسائلها ، فهذا حق … لكنّ هذاإنّما هو في العلوم ذات المحمولات الحقيقيّة ، وأما العلوم الاعتباريّة كعلم الفقه فلا ، ولذا خصّ الشيخ في ( الشفاء ) وكذا تلميذه بهمنيار والخواجة وغيرهم هذا البحث بالعلوم الحقيقيّة .
أقول :
في كلامه ـ دام ظلّه ـ أمران ، أحدهما : الترديد المذكور في المراد من قول المشهور « لكلّ علم موضوع » ، والآخر : الموافقة على ضرورة وجود الموضوع في العلوم المدوّنة الحقيقيّة دون الاعتباريّة منها .
ولعلّ السبب في ذلك هو التسليم للإشكال الرابع من إشكالات ( المحاضرات ) ، حيث نقض قول المشهور ببعض العلوم ، كعلم الفقه ، إذ لا يعقل وجود موضوع واحد يجمع بين موضوعات مسائله ، لكونها قضايا اعتباريّة ، ولا يعقل الجامع الحقيقي بين القضايا الاعتبارية ، أو لكون موضوعاتها من مقولات متباينة بل متنافرة ، فكيف يكون بينها جامع ذاتي ؟ فقال شيخنا : هذا الإشكال حق ، إلاّ أنه يرد على صاحب ( الكفاية ) القائل بأنّ الموضوع الجامع يتّحد مع موضوعات المسائل اتّحاد الطبيعي مع أفراده ، أمّا المشهور فلا يقولون بهذا كما أشرنا .
وقد اُجيب عن الإشكال المذكور بأنّ الأحكام الشرعيّة ، وإنْ كانت قضايا اعتباريّة بلحاظ المعتبَر والمنشأ ، إلاّ أنها حقيقيّة بلحاظ نفس الإعتبار ومبادي الحكم ، لكونها من مقولة الكيف النفساني ، وهي بهذا الإعتبار تكون مورداً لحكم العقل بحقّ الطّاعة والعبوديّة الذي هو الغرض الملحوظ في علم الفقه . وأمّا تباين موضوعات المسائل الفقهيّة فجوابه : إنّه لابدّ وأن يراد بالموضوع الواحد لكلّ علم وجود محور واحد تدور حوله كلّ بحوث العلم الواحد ، وهذا قد لا يتطابق مع ما يجعل موضوعاً للمسائل بحسب التدوين خارجاً … فالمقصود من الموضوع الواحد هو المحور الواحد للبحوث في المسائل لا ما جعل موضوعاً لها في مرحلة التدوين ، وهذا المحور لا يلزم أنْ يكون موضوعاً في تلك المرحلة ، فقد تتطابق الموضوعيّة ـ أي المحوريّة ـ مع الموضوعيّة في مرحلة التأليف ، وقد لا تتطابق ، والتطابق بينهما غير لازم(1) .
فإنْ كان ما ذكر نظريّةً جديدة ، فقد يمكن المساعدة عليها ، لأنّ وجود محور لكلّ علم تدور عليه بحوثه أمر ارتكازي غير قابل للإنكار ، وأمّا إن كان شرحاً وتوجيهاً لقول صاحب ( الكفاية ) والمشهور ، ففيه تأمّل لأنه لا يتحمَّل هذا التوجيه والتفسير ، وأمّا كلمات أعلام المعقول في المقام ، فلابدّ من مراجعتها … والله العالم .
(1) بحوث في علم الاصول ، مباحث الدليل اللفظي 1/41 .