تأييد المطلب برواية ابن اشيم
قال الشيخ
وربما يؤيّد المطلب أيضاً برواية ابن أشيم الواردة في العبد المأذون الذي دفع إليه مال ليشتري به نسمةً ويعتقها…
وهذا نصّ الرواية:
عن ابن أشيم عن أبي جعفر عليه السّلام: عن عبد لقوم مأذون له في التجارة، دفع إليه رجل ألف درهم فقال: اشتر بها نسمةً وأعتقها عني وحجّ عني بالباقي، ثم مات صاحب الألف، فانطلق العبد فاشترى أباه فأعتقه عن الميت ودفع إليه الباقي يحجّ عن الميت.
وبلغ ذلك موالي أبيه ومواليه وورثة الميّت جميعاً، فاختصموا جميعاً في الألف، فقال موالي العبد المعتق: إنّما اشتريت أباك بمالنا. وقال الورثة: إنما اشتريت أباك بمالنا. وقال موالي العبد: إنما اشتريت أباك بمالنا.
فقال أبو جعفر عليه السلام: أمّا الحجّة، فقد مضت بما فيها لا ترد، وأمّا المعتق، فهو ردّ في الرق لموالي أبيه، وأيّ الفريقين بعدُ أقاموا البيّنة على أنه اشترى أباه من أموالهم كان له رقّاً(1).
ويمكن أنْ يتوهّم كون المال ملكاً للعبد من جهة يده عليه، ومن ملك أمراً ملك الإقرار به، وهو يقرّ بأنّه قد أعتق العبد بعد أنْ اشتراه بذاك المال، فلماذا يعود رقّاً؟
ولكنّه يندفع بما قرّرناه في الأصول من أن ما اشتهر من حجيّة مثبتات الأمارات ليس على كليّته، بل قلنا بأنّ اليد برزخ بين الأمارة والأصل، فليس مثبتاتها بحجّة. وعليه، فلمّا كان العبد مقرّاً بعدم كون المال ملكاً له، كان مقرّاً ببطلان شراء أبيه، لوقوعه بمال الورثة ـ لانتقال الدراهم إليهم ببطلان وكالة العبد عن أبيهم بموته ـ
ولو قيل بصحة الشراء، لقاعدة اليد، ولازمها الإذن منهم.
قلنا: بأن مثبتات قاعدة اليد ليست بحجة.
وإذا بطلت المعاملة، عاد العبد المشترى رقّاً.
وأمّا وقوع الحجّة على وجه الصحّة، فحكمٌ تعبّدي.
قال الشيخ:
بناءً على أنه لولا كفاية الاشتراء بعين المال في تملّك المبيع بعد مطالبته المتضمّنة لإجازة البيع، لم يكن مجرّد دعوى الشراء بالمال ولا إقامة البيّنة عليها كافيةً في تملّك البيع.
أقول:
وهذا وجه تأييد المطلب بالرّواية، وتقريبه:
إنه إنْ أقام الورثة البيّنة على وقوع الشّراء بمالهم وطالبوا بالعبد، كانت مطالبتهم إيّاه متضمّنةً لإجازتهم المعاملة الواقعة، فالإجازة اللاّحقة مؤثرة في صحّتها]1[.
]1[ وفي المقابس: وجه الإستدلال: إنه عليه السّلام اكتفى في الحكم بتملّك العبد بثبوت كون الشراء وقع بماله، فلو لم تكن إجازة المالك للفضولي كافيةً في صحّة
العقد، لم يكن كذلك، لعدم استلزام العام للخاصّ.(2)
فصاحب المقابس والشيخ والسيّد الجدّ على أنّ الرواية مؤيّدة، بل الأوّل عبّر بالاستدلال.
لكنّ أكابر المحشّين على كتاب المكاسب بحثوا عن الرواية في ثلاثة جهات:
الأولى: جهة السّند، فقد نصّ السيّد والميرزا وغيرهما على ضعف سند الرّواية، لضعف راويها «موسى بن أشيم» إما لكونه من أصحاب أبي الخطّاب، وإمّا لعدم وثاقته في كتب الرّجال، نعم، احتمل الاعتماد عليه لرواية ابن محبوب عنه.
والثانية: جهة الدلالة، فقد قال الميرزا: يمكن التمسّك بخبر ابن اشيم بوجهين:
الأول: دلالة حكمه عليه السلام بردّ المملوك رقّاً لمولى العبد المأذون، إذا أقام البينّة على أنّ عبده اشترى أباه من ماله، فإن دعواه ملكيّة الأب المشترى وأنه اشتري من ماله، متضمّن لإجازة البيع، فالحكم بكونه له بعد البيّنة متوقف على صحّة البيع بالإجازة، وهو المطلوب.
الثاني: دلالة حكمه عليه السلام بردّ المملوك رقّاً لورثة الدافع لو كانوا هم يقيمون البينّة، بالتقريب المتقدم، بناءً على أنْ يكون الدافع وكلّ العبد المأذون في البيع. فإنه تبطل وكالته بموته ويكون شراء العبد المأذون بعد موته فضوليّاً في المال المدفوع إليه المنتقل إلى ورثة الدافع بعد موته.
(1) وسائل الشيعة 18 / 280 ـ 281، كتاب التجارة أبواب بيع الحيوان، الباب 25 رقم: 1.
(2) مقابس الأنوار: 126.