الكلام حول ما ذكره الشيخ
أقول:
وهذا الكلام يناقض بظاهره ما تقدّم منه من أن المراد من الاختيار هو «القصد إلى وقوع مضمون العقد عن طيب نفس «في مقابل الكراهة». وقال أيضاً: «فالمراد بعدم قصد المكره: عدم القصد إلى وقوع مضمون العقد في الخارج». ولذا قال السيد: هذا ما وعدنا من كونه مناقضاً لما ذكره في أوّل العنوان من أنه قاصد لوقوع المضمون إلاّ أنه لابطيب النفس، فلا تغفل. والحق ما قلنا من أن مراده عدم الرضا. فتدبّر(1)
ورفع المحق الخراساني المناقضة بأنْ علّق على قول الشيخ: «هو القصد إلى وقوع أثر العقد» بقوله:
أي القصد إلى وقوعه شرعاً لو كان ملتفتاً إلى اعتبار الطيب في تأثيره، وأمّا القصد إلى وقوعه عرفاً والتوسّل بإنشاء مضمونه إلى تحقّقه كذلك ممّا لابدّ منه في تحقّق العقد، ولا يكاد يكون إنشاء مضمون عقد بدون هذا القصد.(2)
أقول:
إنه لا يمكن المساعدة على هذا الكلام، لوضوح أن بيع المكره لا يترتّب عليه الأثر مطلقاً حتّى من أهل الديانات الاخرى، فلا معنى لأن يكون مراد الشّيخ ما ذكره.
وقال الميرزا الاستاذ:
مراد الشيخ هو أن ظاهر حال من يقول «بعت» أنْ يكون عن طيب نفس، وهذا الظهور مفقود في بيع المكره(3).
والأصل في هذا الكلام هو المحقق النراقي، إذ قال بأنّ ظاهر حال المتكلّم كونه قاصداً لمعنى كلامه، وهذا الظهور منتف عن المكره(4).
والإنصاف أنّ تفسير كلام الشيخ إذ قال: «فالمراد بعدم قصد المكره عدم القصد إلى وقوع مضمون العقد في الخارج، وأنّ الداعي له إلى الإنشاء ليس قصد وقوع مضمونه في الخارج» وقال أيضاً: «المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد ومضمونه في الواقع وعدم طيب النفس به، لا عدم إرادة المعنى من الكلام» بما ذكره الميرزا الاستاذ، غير صحيح.
والذي أراه ارتفاع التناقض بالنظر إلى ما أفاده الشيخ رحمه الله في أوائل الكتاب، من أن لفظ البيع ظاهر فيما هو المؤثّر في الملكيّة. وهذا هو المعنى الحقيقي له. (قال) وعليه، فلا مجال للتمسّك بإطلاق (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) لنفي شرطيّة أو مانعيّة شيء، وإنما يتمسّك بالإطلاق المقامي، لأنه لمّا كان يخاطب العرف، فلا يقصد من «البيع» إلاّ ما يراه العرف بيعاً.
وقد ذكرنا هناك أنّ هذا إنما يتمّ بناءً على كون الملكيّة أمراً واقعيّاً، فيكون «البيع» موضوعاً للملكيّة الواقعيّة.
وحينئذ يفسّر كلامه هنا: بأنّ المكره قد أنشأ البيع وقصد المدلول ولكنّه لا يقصد ترتب الملكيّة الواقعيّة على إنشائه.
وبذلك يرتفع التناقض.
كما أن التناقض يرتفع بما تقدّم منّا من أنّ البيع الصّادر من المكره ليس مصداقاً للتجارة عن تراض، بل إنّما يبيع من أجل التخلّص من الوعيد، فهو غير قاصد لوقوع مضمون البيع بالمعنى المذكور خارجاً. وتوضيحه على مسلكنا هو:
إنّ الملكيّة ليست من الامور الواقعيّة، بل هي أمر اعتباري قائمٌ بنظر المعتبر، فالبائع يعتبرها بما أنه أحد العقلاء، ثم إنّ الشارع قد يعتبر على طبق اعتبارهم وقد لا يعتبر، ولذا قلنا في محلّه: إن ما ذهب إليه المشهور ـ من أنّ للملكيّة واقعيّة، ونظر الشارع والعقلاء طريق إليها، والشّارع إذا رأى فساد العقد في مورد فهو يخطّئ العقلاء في نظرهم و اعتبارهم ـ غير صحيح، وكذا قولهم بآليّة العقود.
فالبيع موضوع لإنشاء التمليك، وهو حقيقةٌ في الإنشاء الصّادر من المالك، والتمسك بالإطلاقات اللّفظيّة تام بلا إشكال.
وعلى ما ذكرنا، فالقول بأنّ المكره غير قاصد لتحقّق مضمون العقد في الخارج، غير صحيح، لأنّه قاصدٌ له ومعتبرٌ للملكيّة، وليس هناك خارج ماوراء نفس المعتبر، غير أنّه يريد التخلّص من الإكراه ولا يقصد التجارة، وهذا وجه الاستدلال بالآية والرواية لعدم صحة العقد الواقع منه.
وعلى الجملة، فإن التناقض يرتفع بالنظر إلى كلام الشيخ سابقاً على مسلك المشهور والمختار عنده، بحسب ما بيّناه، لكنّ المبنى غير صحيح. ويرتفع على مسلكنا في حقيقة الملكيّة، على ما أوضحناه.
كما ظهر أيضاً صحّة الاستدلال بالآية والرواية على بطلان عقد المكره واندفاع ما أورد عليه.
والحاصل هو أنّا نوافق الشيخ فيما أفاد، إلاّ في حقيقة الملكيّة، وسيأتي مزيدٌ من التوضيح لذلك إن شاء الله.
(1) حاشية المكاسب 2 / 50 .
(2) الحاشية على المكاسب: 27 ـ 28.
(3) منية الطالب 1 / 186.
(4) مستند الشّيعة 2/364.