الجواب عن موهنات الاستدلال
وأمّا الموهنات:
فإنّ الشيخ لم يتعرّض لها ولكنّه قال: «هي موهونة» وهو كذلك، ولو تمّ شيء منها لم تصلح الرّواية للاستدلال على صحّة بيع الفضولي بالنحو الكلّي.
فالأوّل:
إنه لمّا جاء المالك وادّعى عند الإمام أنّ ولده باع وليدته بغير إذنه، قال عليه السّلام: «خذ وليدتك وابنها»، فحكم له قبل أن يسمع من المدّعى عليه وأنْ يطالبه البيّنة. وهذا خلاف موازين القضاء.
والجواب:
قد كان المدّعي والمدّعى عليه حاضرين عند الإمام، ولمّا طرح المالك دعواه سكت المشتري ولم ينكر ولم يدّع كون الولد وكيلاً عنه مثلاً، وسكوته إقرار بما قال، وكان حكم الإمام على الموازين.
بهما عن ظهور الألفاظ المنافية للإجماع المدّعى.(1)
ومنهم: من قال في آخر الكلام: لمّا كان ظاهر نقل أبي جعفر عليه السّلام حكم علي عليه السلام صحّة عقد الفضولي وقابليّته للحوق الإجازة به، فالاستدلال به خال عن المناقشة، وإنْ نوقش في نفس هذه القضيّة الشخصيّة من جهات.(2)
فإنْ قلت:
لقد قال الإمام: «الحكم أنْ تأخذ وليدتك وابنها». فلو كان بيع الفضولىّ يصحّ بالإجازة اللاّحقة من المالك لقال له: الحكم أنك مخيّر بين إجازة المعاملة وردّها، فقوله ذاك الكلام دون هذا، دليلٌ على بطلان بيع الفضولي، فالصحيحة دالّة على فساد معاملة الفضولي.
قلت:
في الرواية كما في وسائل الشيعة: «خذ وليدتك وابنها» والأمر في مورد توهّم الحظر يدلّ على الجواز، فليس حكماً قطعيّاً حتى يقال إنه على خلاف الموازين، بل هو المراد بناءً على لفظ: «الحكم أن تأخذ…» أيضاً، إذ لا يستفاد منه إلاّ الترخيص والجواز.
والثاني:
أخذ الوليدة على القاعدة، لأنّها ملك له، وما لم يجز البيع فهي باقية على ملكه، أمّا الابن الحرّ بالوطي عن شبهة لجهل المشتري، فبأيّ ميزان يجوز له حبسه؟ نعم، على والده دفع قيمته يوم الولادة، وهذا أمر آخر.
والجواب:
قد كان للمالك الحقّ في ماليّة هذا الولد، ولكلّ ذي حقٍّ أنْ يأخذ حقّه، فكان أخذه له رهينةً للوصول إلى حقّه، ولا إشكال في ذلك.
فإن قيل:
أليس كان من الجائز أنْ يجيز المالك البيع، فيكون البيع صحيحاً نافذاً، فلماذا أمر بالأخذ ولو لأجل القيمة؟
قلت:
أمّا بناءً على النقل، فالقيمة لا تسقط بالإجازة اللاّحقة، بل على المشتري دفعها، وأمّا بناءً على الكشف، فالاستحقاق لها موجود، غير أنها تسقط بالتعبّد الشرعي، لكونه كشفاً حكميّاً.
فاستحقاق قيمة الولد يوم الولادة ثابت على كلّ تقدير، فله أخذه رهينةً للوصول إليها في حال عدم الإجازة.
والثالث:
إنّه قد ذكر في كتاب القضاء والشهادة أنْ ليس من وظائف القاضي أن يعلّم أحد الطرفين طريق الوصول إلى حقّه ويرشده إليه، فما جاء في الصحيحة من قول الإمام عليه السّلام للمشتري لمّا ناشده: «خذ ابنه الذي باعك الوليدة» موهن للاستدلال بها.
قلت:
فرقٌ بين أن يقوم القاضي في أثناء المخاصمة بفعل يتنافى مع موازين القضاء، وبين أنْ يقوم بذلك من أجل رفع الخصومة وحصول الصّلح بينهما، وما في الصحيحة من قبيل الثاني لا الأوّل.
والرابع:
مقتضى القاعدة أن يطالَب من عليه الحق أو المدين، فإنْ نكل أجبر وحبس. فأمر الإمام عليه السّلام المشتري بحبس ولد المالك الذي باعه الوليدة بدون إذن أبيه مقدّمة لإرسال ابنه، ما وجهه؟
والجواب:
الأمر من الإمام عليه السلام بأخذ الإبن البائع يدلّ بالالتزام على أنه قد طالبه قبل ذلك فامتنع، والممتنع يحبس حتّى يؤدّي ما عليه، ولا يضرّ بذلك كون الأخذ بداعي المقدّميّة.
(1) كتاب البيع للاراكي ـ بحوث الشيخ الحائري اليزدى 1 / 298.
(2) منية الطّالب 1 / 215.