التحقيق هو التفصيل
والتحقيق أن لا نقول بالمنع مطلقاً ولا بالصحّة كذلك بل التفصيل. وذلك: لأنّ في العقود دليلاً عامّاً هو عبارة عن قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بناءً على إفادته صحّة العقود مطلقاً، وأمّا في الإيقاعات فلا يوجد دليل عام، والآية المباركة لا تشملها، لأنّ «العقود» جمع «العقد»، وهو في الحقيقة التزام في التزام وعهد مربوط بعهد، والإيقاع ليس كذلك.
لكنّ الإيقاع، قد تكون الفضوليّة فيه في نفس المضمون، وقد تكون في حيثيّة اخرى غير مضمون الصيغة، ففي العتق: تارة يعتق المالك عبده، واخرى: يريد عتق عبده المرهون. وفي التدبير: له أن يقول لعبده أنت حرّ دبر وفاتي، أمّا لو قال هذا لعبد غيره توقّف على إجازة المالك، وفي الوصيّة في الزائد عن الثلث، يتوقف المضمون على إذن الوارث، وفي الطلاق، يطلّق الحرّ زوجته بلا توقف على رضا أحد، لكنّ العبد إذا طلّق زوجته توقف على إذن مولاه.
فأمّا الإيقاع من قبيل القسم الأوّل، فلا تجري الفضوليّة فيه، وأمّا الإيقاعات التي يكون عدم تحقّقها منوطاً بحيثية اُخرى، كتعلّق حقٍّ يمنع من وقوعه، فالحق جريانها فيه، لأنّ كلّ مالك فله أنْ يعتق عبده، خرج منه ما إذا تعلّق حقّ الغير به، كأن يكون مرهوناً عند شخص، فإنه يتوقف صحّة عتقه على إجازة المرتهن، فإنْ لم يجز وقع التخصيص في العام ـ أعني: كلّ مالك فله أنْ يعتق عبده ـ وإنْ أجاز المرتهن وشككنا في التخصيص، كان المرجع هو العام.
والحاصل: إنه لابدّ من التفصيل بين الإيقاعات المنوطة صحّتها برضا من بيده الأمر، والإيقاعات التي لا تقع، بسبب تعلّق حقّ الغير، فالفضوليّة جارية في القسم الثاني دون الأوّل.
Menu