الاستدلال لأعلى القيم بوجه آخر
قال الشيخ:
نعم، استدلّوا على هذا القول بأنّ العين مضمونة في جميع تلك الأزمنة التي منها زمان ارتفاع قيمته، وفيه…
فذكر ثلاث شقوق:
أحدها: أنْ يراد وجوب قيمة ذلك الزمان لو تلفت فيه، وهذا مسلّم، لأنّه قيمة يوم التلف، ولا يكون تدارك العين إلاّ بدفع قيمتها في ذلك اليوم، لكنّ المفروض أنها لم تتلف فيه.
والثاني: أنْ يراد به استقرار قيمة ذلك الزمان عليه فعلاً وإنْ تنزّلت بعد ذلك وأرجع العين سالمةً، وهذا مخالف للإجماع بقسميه كما في الجواهر.(1) على أنه خلاف البرهان، لأن القيمة إنما كانت بدلاً عن العين، فلو وجبت عليه مع إرجاعها سالمةً، لزم الجمع بين المبدل والبدل، وهو محال.
والثالث: أنْ يراد إستقرار القيمة المرتفعة بمجرّد الارتفاع مراعىً بتلف العين، فإن أرجعها سالمةً فلا ضمان، وهذا وإنْ لم يخالف الاتفاق إلاّ أنه مخالف لأصالة البراءة من غير دليل شاغل…
هذه عبارته رحمه الله في هذا الشقّ، والتحقيق أن يقال:
إنْ اُريد من استقرار القيمة عليه بمجرد الارتفاع مراعىً بالتلف، أن يكون التلف شرطاً متأخّراً لضمان تلك القيمة، فهو مردود بوجهين:
أحدهما: إنّ الشرط المتأخّر معناه تحقّق المشروط فعلاً قبل مجئ شرطه. وهذا لا يعقل، لأنّ الشرط دخيل إمّا في تأثير المؤثّر وإمّا في تماميّة قابليّة القابل، فما لم يتحقّق لا يعقل تحقق الأثر.
وأمّا القول بأنّه شرطٌ بوصف التعقّب كما عن بعض الأكابر، فقد بيّنا فساده في الاصول ولا نتعرّض له هنا.
والثاني: إن القول بكون الشرط المتأخر شرطاً بوصف التعقّب لوتمّ، يستلزم تحقق البدل بلا مبدل، لأنه إذا ضمن القيمة المرتفعة مشروطاً بتعقّب التلف، يكون ضامناً عند ارتفاعها لبدل التالف، والحال أن التلف غير متحقّق، وهذا غير معقول.
وإنْ اُريد من كونه مراعىً بالتلف، أنْ يكون التلف جزءً للموضوع، بأنْ تكون القيمة المرتفعة مضمونة ـ وإنْ تنزّلت فيما بعد قبل التلف ـ تعبّداً، فهذا يحتاج إلى دليل شاغل، والأصل البراءة كما في كلام الشيخ رحمه الله.
وبما ذكرنا ظهر أنّ في الشق الثالث احتمالين، فالشقوق أربعة.
(1) جواهر الكلام 37/105.