الاستدلال لأعلى القيم بالحيلولة
قال:
ولأجل ذلك استدلّ العلاّمة في التحرير(1)… ونقول في توضيحه: إنّ كلّ زمان من أزمنة الغصب… فتأمّل.
أقول:
وهذا الوجه ضعيف جدّاً، لأنّ الكلام في ضمان أعلى القيم الحاصلة للعين في أثناء الغصب مع نزول قيمتها عنه في وقت التلف، وأين هذا من أنه لو استمرّت الحيلولة إلى زمان التلف وكانت العين فيه في أعلى القيم؟ وبعبارة اخرى: إنه لو كانت العين باقيةً وأراد ردّها إلى المالك، فليس عليه إلاّ ردّها ولا يقول أحدٌ بضمان أعلى القيم كذلك.
وبعبارة اخرى: المفروض في محلّ البحث وقوع التلف في زمن تنزّل القيمة لا في زمان كونها في أعلى القيم، وحينئذ، فلا وجه لضمان أعلى القيم، لأنه إن كان مع وجود العين، وجب عليه دفعه إليه مع ردّها عليه، وهذا لا يقول به أحد، وإنْ لم يكن ضامناً له فكيف يضمنه إذا تلفت؟
وعلى الجملة، فإنّ ظاهر عبارته لا يناسب مقامه الرفيع قدّس سرّه، فلابدّ من تأويل كلامه، بأنْ يقال:
لا شبهة في أنّ العين مضمونة ما دامت موجودة، لقاعدة اليد، فلو ترقّت ماليّتها ضُمنت بمراتبها بتبعها، سواء بقي الترقّي أو زال في الأثناء وتنزّلت القيمة، فإنْ ردّ العين وارتفع الضمان بالنسبة إليها فلا متبوع حتى يبقى التابع، فهو غير ملزم بدفع القيم الزائدة، وإنْ تلفت بقي ضمان القيم المرتفعة بتبع بقاء ضمان العين.
هذا غاية ما يمكن أن يقال لإصلاح كلامه رحمه الله.
لكنْ فيه:
أوّلاً: إن ضمان العين عبارة عن ردّها ودفع بدلها إنْ تلفت، فضمان بدل التالف ضمانٌ حادث، ولم تكن القيم المرتفعة تابعةً للبدل حتى يجب دفعها. وبعبارة اخرى: لقد كان ضمان القيم تابعاً لضمان العين، أمّا العين فقد تلفت وأمّا البدل القائم مقامها فلم تكن القيم تابعةً له.
وثانياً: إنه لا معنى لضمان الماليّات، لأن ضمان الشيء بدفع قيمته ولا قيمة للقيمة.
وثالثاً: إنه ليست الماليّات من الأوصاف الوجوديّة حتى يقال بأنه إذا تنزّلت القيمة فقد زال وصف خارجي ـ كالسّمن والوبر ونحوهما ـ ويكون مضموناً للمالك، بل هو وصفٌ اعتباري عقلائي.
(1) تحرير الأحكام 2 / 139.