هل يعتبر في المعاطاة شرائط البيع؟

هل يعتبر في المعاطاة شرائط البيع؟
قوله:
وأمّا على المختار من أنّ الكلام فيما قصد به البيع، فهل يشترط فيه شروط البيع مطلقاً، أم لا كذلك، أم يبتني على القول بإفادتها للملك والقول بعدم إفادتها إلاّ الإباحة؟ وجوه.
أقول:
ذكر هنا ثلاثة وجوه:
الأوّل: اعتبار جميع الشروط، سواء على القول بإفادتها الملك أو الإباحة، وسواء كان دليل اعتبار الشرط هو النصّ أو الإجماع.
والثاني: عدم اعتبارها مطلقاً كذلك.
والثالث: اعتبارها على القول بالملكيّة مطلقاً وعدم اعتبارها على القول بالإباحة.
وهناك وجه رابع ذكره بقوله:
ويمكن الفرق بين الشرط الذي ثبت اعتباره في البيع من النصّ، فيحمل على البيع العرفي وإنْ لم يفد عند الشارع إلاّ الإباحة، وبين ما ثبت بالإجماع على اعتبارها في البيع بناءً على انصراف البيع في كلمات المجمعين إلى العقد اللاّزم.
قوله:
يشهد للأوّل كونها بيعاً عرفاً فيشترط فيها جميع ما دلّ على اشتراطها في البيع، ويؤيّده… .
أقول:
الوجه الأوّل هو المختار عند الشيخ، قال مرّةً: «لا يخلو عن قوّة» ثمّ قال بعد ذلك: «الأقوى اعتبارها» سواء على القول بإفادة المعاطاة الملكيّة شرعاً كما هو المختار، أو القول بإفادتها الإباحة الشرعيّة كما عن المشهور، لأنّ الحاصل هو البيع العرفي، والموضوع لأدلّة اعتبار الشروط هو ما يصدق عليه عنوان البيع عند العرف… هذا كلامه قدّس سرّه.
لكنّا قد أوضحنا سابقاً أنّ انطباق تلك الأدلّة موقوف على ثبوت الموضوعيّة عند الشارع أيضاً، فلابدّ من قبوله إفادتها الملكيّة كذلك، وإلاّ فلا يمكن الشمول والانطباق، إذْ لا معنى لأنْ يرتّب الآثار الشرعيّة على ما لا يراه ـ أو يراه غيره ـ موضوعاً لها.
فما ذكره سهو من قلمه.
وذكر دليلاً آخر حيث قال:
ولما عرفت من أنّ الأصل في المعاطاة بعد القول بعدم الملك: الفساد وعدم تأثيره شيئاً، خرج ما هو محلّ الخلاف بين العلماء من حيث اللّزوم والعدم، وهو المعاملة الجامعة للشروط عدا الصّيغة، وبقي الباقي.
فهما وإنْ قصدا البيع لكنّ الشارع لم يمض ذلك، فهو بيع فاسد ولا يترتّب عليه شيء من الآثار، لكنّ مقتضى الإجماع القائم على الإباحة الشرعيّة في صورة استجماع الشرائط عدا الصّيغة، هو القول بالإباحة.
وبتقرير آخر: إنهما لمّا قصدا التمليك، فكلّ من الطرفين يسلّم ماله إلى الآخر بعنوان أنه ملك له، وتكون تصرّفاته واقعةً في ملكه، فكان كلّ منهما مملّكاً لا مرخّصاً، إلاّ أنه قد قام الدليل الخارجي على الإباحة، لكنه الإجماع وهو دليلٌ لبيٌّ ـ فلو كان لفظيّاً لشمل فاقد الشروط أيضاً ـ والقدر المتيقّن من الإباحة هو ما إذا كانت المعاطاة التي ليست ببيع واجدةً لجميع شرائط البيع.
إلاّ أنه قد تقدّم أنّ الدليل العمدة في المعاطاة هو السّيرة العقلائيّة المتّصلة بزمن المعصوم وغير المردوعة منه، فإنْ كانت قائمة على جواز التصرّف فيما اُخذ بها حتى في صورة فقد الشرائط المعتبرة في البيع، كانت حجّةً شرعيّةً صالحةً لتخصيص الأدلّة اللفظيّة المعتبرة للشرائط، وللتقدّم على دليل اعتبارها إنْ كان لبيّاً، لقصوره عن الشمول لمورد السّيرة، فتكون السّيرة حينئذ هي الدّليل على جواز التصرّف في المأخوذ بالمعاطاة الفاقدة لبعض الشرائط.
وبالجملة، إنْ تمّ قيام السّيرة على جواز التصرّف مع فقد بعض الشرائط، فهي الدّليل على القول بالإباحة، خلافاً للشيخ القائل بعدم الدّليل، وأمّا على القول بإفادتها الملكيّة، والأدلّة المعتبرة للشرائط لفظيّة، فالسّيرة مخصّصة.
فإنْ قلت: لِمَ لا تكون الأدلّة المعتبرة للشرائط في البيع رادعةً، لأنّ المعاطاة بيع.
قلت: رادعيّتها عن السّيرة منوطة بعدم كونها مخصَّصةً بها، لكنّ عدم التخصيص منوط بكونها رادعة… وهذا دور.
فإنْ قلت: حجيّة السّيرة هنا متوقّفة على كونها مخصِّصةً للعمومات المعتبرة للشرائط، وكونها كذلك موقوف على عدم شمول العمومات لمورد السّيرة، وهذا موقوف على كونها مخصّصةً، فكون السّيرة مخصّصة دوريّ.
قلت: قد أجبنا عن ذلك في الاصول في مباحث خبر الواحد، وفي الإستصحاب، وذكرنا ملخّص ذلك في المباحث المتقدّمة.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في المقام.
لكنّ الإنصاف عدم تماميّة ما ذكر، لأنّ السّيرة بما هي ليست بحجّة، وإنما حجيّتها من أجل كاشفيّتها عن تقرير المعصوم إن كانت عقلائيّة أو قوله إنْ كانت متشرّعيّة، ولولا إحراز ذلك لم يكن لها حجيّة، وهو مع وجود العمومات المعتبرة للشرائط في البيع ـ والمفروض كون المعاطاة بيعاً ـ مشكل.
ولا فرق بين القول بأنّ المعاطاة تفيد الملك اللاّزم أو الجائز، والقول بأنّ حصول الملكيّة شرعاً منوط بالتصرّف أو التلف، والقول بعدم الإناطة كما هو الحق.
وأمّا بناءً على ما ذهب إليه بعض الأكابر من أنها معاوضة مستقلّة تفيد الملك، وما ذهب إليه المشهور من أنها تفيد الإباحة لا الملك، فالمعاطاة ليست ببيع، فلا يعتبر فيها ما يعتبر فيه.
ثم إنّ الشرائط المعتبرة في البيع على ثلاثة أقسام، لأن الدّليل على اعتباره، إمّا هو النصُّ المعتبر، أو النصُّ غير المعتبر، أو الإجماع. فهل جميع الشرائط معتبرة في المعاطاة أو فيه تفصيل؟
أمّا ما قام على اعتباره النصّ المعتبر، فلا إشكال في اعتباره في المعاطاة مع قصدهما البيع وكونها بيعاً شرعاً.
وأمّا ما ثبت بالإجماع، فربّما يقال بأنّ القدر المتيقّن منه هو ما إذا كان المعاطاة بيعاً لازماً، وأمّا على القول بكونها بيعاً جائزاً ـ كما عليه المشهور ـ ففي تقيّد حليّته الوضعيّة بما قام عليه الإجماع شكّ، والأصل عدمه.
وأمّا ما ثبت منها برواية ضعيفة عمل بها المشهور، فإنْ كان عمل المشهور بها كاشفاً عن صدورها عن المعصوم، كانت كالنصّ المعتبر سنداً، وإلاّ بل يظنّ بصدورها بسبب عمل المشهور بها، فحكمها حكم الدّليل اللّبي، فيؤخذ بالقدر المتيقّن وهو ما إذا قلنا بأنّه بيع لازم.
وهذا تمام الكلام في المقام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *