هل يشمل الهبة المعوّضة؟
قوله:
وأمّا الهبة المعوّضة، والمراد بهاهنا: ما اشترط فيها العوض، فليست إنشاء تمليك بعوض على جهة المقابلة… .
أقول:
الهبة المعوّضة على قسمين، فتارةً: يهب بلا قيد والمتّهب يهب شيئاً كذلك. فهذه هبة معوّضة تترتّب عليها الآثار، واُخرى: أنْ يهب بشرط أنْ يعوّضه. فقول الشيخ: والمراد بها… لإخراج القسم الأوّل، فإنه لا يحتمل أن ينتقض التعريف به.
وقوله: ليست إنشاء تمليك بعوض… يعني: ليس معاوضةً بين الشيئين، بل هو معاوضة بين الهبتين، ويشهد بذلك أنه إذا أقبضه تملّك وإنْ لم يكن الطرف الآخر قد وهب، فلو كان مقابلة بين المالين، لزم أن يكون مالكاً لما يملكه الطرف ويريد أنْ يهبه.
فالهبة المعوّضة ليست مقابلةً بين المالين، وإنما هو شرط للعوض، وفيه تمليكان وأحد التمليكين بعوض الآخر مع الاشتراط، وكذلك في القسم الآخر ولكنْ بلا اشتراط.
وبالجملة، ففي الهبة المعوّضة ـ بكلا قسميها ـ لا توجد مقابلة بين المالين. نعم، بينهما فرق من جهة أنه حيث يشترط، يكون للواهب حق الفسخ… .
هذا مقصود الشيخ.
وأقول: فالهبة المعوّضة تنقسم إلى القسمين المذكورين، وأمّا إذا كانت بشرط النتيجة كأنْ يقول: وهبتك هذا بشرط أن يكون متاعك ملكاً لي، فبمجرّد إقباض الواهب وملكيّته، يكون ملك المتّهب ملكاً للواهب، فما ذكره الشيخ من أنها هبة في مقابلة هبة، منقوض بما ذكرناه.
لكنّ المهمّ: أن هذا إنما يملك بالشرط لا بالمعاوضة، فالفرق بين الهبة والبيع واضح، والنقض غير وارد.
قوله:
فقد تحقّق ممّا ذكرنا: أن حقيقة تمليك العين بالعوض، ليست إلاّ البيع… .
فما قيل: من أنّ البيع هو الأصل في تمليك الأعيان بالعوض، فيقدّم على الصّلح والهبة المعوَّضة، محلّ تأمّل بل منع، لما عرفت من أنّ تمليك الأعيان بالعوض هو البيع لا غير… لكنّ الظاهر أن الأصل بهذا المعنى ليس مراد القائل… .
أقول:
عبارته غير مستقيمة، وصحيحها: إنه لو قصد الصّلح والهبة المعوّضة، لم يكن الاستعمال على حقيقته في الأمرين ولم يكن بيع، إذْ لا يعقل وقوعه بيعاً مع فرض قصد الصّلح أو الهبة المعوّضة وعدم قصد البيع. فمراده: إنه لو قال: ملّكتك كذا بكذا، وقصد المعنى الحقيقي الذي هو عبارة عن المبادلة والمعاوضة، وقع بيعاً. ولو قال كذلك قاصداً الصّلح أو الهبة، فإنه وإنْ لم يقع بيعاً، لا يقع صلحاً أو هبة، لعدم كون الكلام صريحاً فيهما، فالاستعمال مجازي، إذ وقوعهما منوط بالقول بكفاية الألفاظ غير الصّريحة في المعاملات المخصوصة، ولو شك في قصد البيع أو أحد الأمرين، كان مقتضى أصالة الحقيقة على أن مقصوده البيع.
فقول صاحب الجواهر: من أنّ البيع هو الأصل في تمليك الأعيان… يقول الشيخ: ليس مراده أصالة الحقيقة الجارية في موارد الشك كما ذكرنا، أي: متى شكّ في أنه قصد البيع أو الصّلح والهبة، فالأصل المذكور يقتضي الحمل على البيع لأنه الحقيقة.
أقول: نعم، ليس مراده ذلك، بل لعلّ نظره إلى أنّ تمليك الأعيان أعمّ من التمليك الصّريح أو الضمني أو الالتزامي، فتمليك الأعيان معنى كلّي ينطبق على البيع والصّلح والهبة المعوّضة، لوجود التمليك فيهما ولو بنحو الضمنيّة والالتزاميّة، لكنْ لمّا كان الشائع في تمليك الأعيان بالعوض هو البيع، كان تمليكها بالعوض ظاهراً في البيع، فالمراد من «الأصل» هو «الظاهر».
لكنّ الشيخ لا يوافق على هذا، لأنّ حقيقة الصّلح هو التسالم، وحقيقة الهبة المعوّضة التمليكان المستقلاّن، حيث يشرط أحدهما بالآخر وليس مقابلةً بين المالين، فالأصل محلّ تأمّل بل منع، لأن تمليك الأعيان ليس معنىً كلّياً جامعاً بين المفاهيم، بل بينها تباين… وتمليك الأعيان بالعوض هو البيع لا غير.
Menu