في هيئة التفاعل
وأمّا هيئة التفاعل، فقد ذكر شيخنا الأستاذ رحمه اللّه: بأنّ الهيئة الواحدة لها مدلول واحد، أي نسبة واحدة، لكن هيئة التفاعل ـ وهي واحدة ـ لها مدلولان، أي صدور المبدء من كلٍّ من الطرفين، فقال: هيئة التفاعل نسبة خاصّة بين الطّرفين.
قلت: الهيئة الواحدة لا تدلّ إلاّ على معنى واحد، فما ذكره متين جدّاً، لكنّه لمّا وجد التفاعل دالاًّ على صدور المبدء من الطرفين، فيقال: تضارب زيد وعمر. أو: زيد وعمرو تضاربا، بخلاف المفاعلة، فلا يقال: ضارب زيد وعمرو، بل الصّحيح ضارب زيد عمراً… لذا قال: بأنّ هذه الهيئة تدلّ على نسبة خاصّة بين الطرفين. وهذا سهو من قلمه الشريف، لأن النسبة تكون دائماً بين الجوهر والعرض، ولا تعقل بين الجوهرين.
فالتحقيق: أن التفاعل هيئة واحدة ونسبة واحدة، هما معاً فاعل واحد، فهما بنحو المعيّة والوحدة طرف للنسبة، فالمنسوب إليه واحد مركّب، والهيئة نسبة واحدة بين المبدء وذلك الواحد.
فتلخّص: تعيّن التعبير بالمبادلة، والتعبير بالتبديل غير صحيح، والإعتراض على الشيخ في ذلك غير وارد[1].
[1] وقد أورد عليه بعض مشايخنا دام بقاه بوجهين:
الأوّل: إنّ هيئة المفاعلة واردة على الفعل اللاّزم والمتعدّي، مثل (وَمَنْ يُهاجِرْ في سَبيلِ اللّهِ)(1) وقولنا: ساعده التوفيق، فلو كانت التعدية هي المدلول المطابقي للهيئة ولا دلالة لها إلاّ على تعدّي المادّة وإنهائها إلى الغير، فليس المدلول فعل الإثنين والشركة في المادّة كما عليه المشهور، لزم تعدّد الدالّ على التعدية في الفعل المتعدي، بأنْ تدلّ عليه المادّة والهيئة معاً بلا موجب لذلك في حكمة الوضع.
والثاني: ما ذكره من أن هيئة المفاعلة تفيد مفاد «إلى»، فيه: إنه إذا كان كذلك فلماذا جاءت مع «إلى» في (سارِعُوا إِلى مَغْفِرَة مِنْ رَبِّكُمْ)(2) و (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ…)(3)؟
فما ذكره المحقق الخراساني لا يندفع بالإشكال المزبور.
أقول:
إن للبحث ـ في الموضوع له هيئة المفاعلة ـ جهتين، جهة نفي وجهة إثبات، وقد كان المهمُّ في هذه النظريّة جهة النفي.
لقد كان نظر المحقق الإصفهاني إلى كلام المحقق الخراساني ـ تبعاً للمشهور ـ بأن هيئة المفاعلة موضوعة لصدور الفعل من الإثنين، فأثبت بالتتبّع لآيات القرآن الكريم والدقّة في الإستعمالات الفصيحة، أنّ ما ذكره علماء التصريف في وضع هذه الهيئة غير صحيح، فإشكاله على الشيخ قدّس سرّه مندفع، وشيخنا الأستاذ لم يناقش كلام هذا المحقّق في تلك الجهة.
وأمّا جهة الإثبات، وأن الموضوع له الهيئة ما هو؟
قال المحقق الإصفهاني: «بل الظاهر أنّ هيئة المفاعلة لمجرّد تعدية المادّة وإنهائها إلى الغير، مثلاً: الكتابة…» وقد أوضح السيّد الجدّ ذلك: بأنّ المفاعلة تفيد الوقوع على الغير من غير دلالة على صدورها من الغير كذلك، ثم مثّل بالكتابة، وهذا لا ينافي وجود «إلى» مع هيئة المفاعلة في كلام لعناية كما في الآيتين، نظير وجود «اللام» مع «سمع» في «سمع اللّه لمن حمده» مع أنّ سمع متعدّية.
وقد أفاد بتمثيله بالكتابة حكمة الوضع في هيئة المفاعلة، فليس وضعها للتعدية والإنهاء إلى المفعول لغواً، وإنْ كان هذا المعنى لازم النسبة في بعض المواد.
وبهذا الذي استفدناه من كلام المحقق الإصفهاني ومن تبعه ـ كالسيّد الجدّ والمحقق الخوئي ـ يندفع الإشكالان، فتدبر.
وصيغة المفاعلة فعل الاثنين، بمعنى أنها تدلّ على النسبة الصّادرة من طرف والواقعة على الغير، فهي دالّة على حيث الوقوع على الغير ـ بخلاف صيغة فَعَلَ، فإنها متمحّضة في إفادة نسبة الفعل إلى فاعله والعرض إلى موضوعه ـ فالمفاعلة تفيد وقوع المادّة على الغير، من غير دلالة على صدور الفعل من الغير أيضاً، بأنْ يكون المبدء صادراً من الطرفين، والذي يدلّ على هذه الحيثيّة هو صيغة التفاعل.
(1) سورة النساء: 100.
(2) سورة آل عمران: 133.
(3) سورة النساء: 100.