رأي صاحب الجواهر
قوله:
لكنّ بعض المعاصرين لمّا استبعد هذا الوجه، التجأ إلى جعل محلّ النزاع هي المعاطاة المقصود بها مجرّد الإباحة، ورجّح بقاء الإباحة في كلامهم على ظاهرها المقابل للملك، ونزّل مورد حكم قدماء الأصحاب بالإباحة على هذا الوجه، وطعن على من جعل محلّ النزاع في المعاطاة بقصد التمليك قائلاً: إنّ القول بالإباحة الخالية عن الملك مع قصد الملك، ممّا لا ينسب إلى أصاغر الطلبة فضلاً عن أعاظم الأصحاب وكبرائهم.
أقول:
مراده من «بعض المعاصرين» هو صاحب الجواهر قدّس سرّه، وهذا الذي ذكره عنه أبعد ممّا قال المحقق الكركي، إذ كيف تكون المعاطاة المقصود بها الإباحة هي محلّ النزاع بين الفقهاء، مع قول بعضهم بإفادتها الملك اللاّزم، وقول آخر بأنّها بيع فاسد!
لكنّ المستفاد من كلام صاحب الجواهر ـ بل الظّاهر ـ غير هذا الذي نسب إليه الشيخ، بل في الجواهر: إن القول بإفادة المعاطاة المقصود بها التمليك للإباحة لا ينسب إلى أصاغر الطلبة فضلاً عن أعاظم الأصحاب وكبرائهم، فهو ينسب إلى المشهور القول بفساد هذه المعاملة، لاشتراطهم الإيجاب والقبول اللّفظيين، ثم يستدرك قائلاً: بأنّ كلماتهم ـ بل كلمات غيرهم أيضاً ـ لا تأبى عن إفادة الإباحة حينئذ، بأنْ تكون هذه المعاطاة مؤثّرةً في إباحة كلٍّ منهما التصرّف للآخر في ماله على جهة المعاوضة… وأين هذا من جعل محلّ النزاع بينهم المعاطاة المقصودة بها مجرّد الإباحة كما نسب إليه الشيخ؟[1]
[1] أقول: وهذا نصّ كلام الجواهر: «وأمّا دعوى أنّ النزاع فيما إذا قصد المتعاقدان بفعلهما البيع مثلاً، على حسب البيع بالصيغة، وكان جامعاً للشرائط عدا الصيغة، فهل يقع بيعاً أو يكون إباحة أو يقع بيعاً فاسداً كما وقع من المتأخرين؟ فلا أعرف للثاني منهما وجهاً على هذا التقدير، فضلاً عن نسبته إلى المشهور بل الإجماع، ضرورة أنّهم إنْ أرادوا أنها من المالك، فالفرض عدمها، لكن المقصود له أمراً خاصّاً لم يحصل، فارتفع الجنس بارتفاعه، وإنْ أرادوا بها إباحةً شرعيّةً فهو ـ مع أنه من الغرائب، بعد أنْ جعل الشارع أمر المال إلى مالكه وأنه هو المسلّط عليه وأنه لا يحلّ إلاّ بطيب نفسه ـ لا دليل عليها»(1).
فهل تصّحُ نسبة القول المذكور إليه؟ فتدبّر.
(1) جواهر الكلام 22 / 222.