تنبيهات المعاطاة
قوله:
وينبغي التنبيه على اُمور:
الأوّل
الظاهر أن المعاطاة قبل اللّزوم على القول بإفادتها الملك بيع… وأمّا على القول بإفادتها للإباحة، فالظّاهر أنها بيع عرفي… وأمّا على ما احتمله بعضهم بل استظهره من أنّ محلّ الكلام هو ما إذا قصدا مجرّد الإباحة، فلا إشكال في عدم كونها بيعاً عرفاً ولا شرعاً… .
أقول:
موضوع هذا التنبيه هو البحث عن أن الشرائط المعتبرة شرعاً في البيع، من معلوميّة العوضين، ومعلوميّة الكيل والوزن إنْ كانا ممّا يكال أو يوزن، ومن القبض كما لو كان صرفاً أو سلماً… إلى غير ذلك، معتبرة في المعاطاة أوْ لا؟
أمّا على القول الثالث ـ وهو ما ذهب إليه صاحب الجواهر ـ من أنّ محلّ الكلام في المعاطاة ما إذا قصدا مجرّد الإباحة، فلا يعتبر شيء من الشروط، لأنّ الواقع ليس ببيع لا شرعاً ولا عرفاً.
إلاّ أنّ الكلام في دليل الإباحة الشرعيّة مع قصدهما الإباحة، فقال الشيخ: بأن الدليل هو حديث السّلطنة، الدالّ بعمومه على أنّ لكلٍّ من المتعاطيين إباحة ماله للآخر.
فأشكل على الشيخ: بأنّه لا يرى المشرّعيّة لحديث السّلطنة، فلا يدلّ على السببيّة الشرعيّة لشيء من الأسباب.
ولكنّه سهو، لأنهما مع قصدها الإباحة، قد أباح كلٌّ منهما ماله للآخر، فهي إباحة مالكيّة وترخيص صرف، فليس في البين سبب حتى نبحث عن دليل سببيّته.
بل الإشكال الوارد على الشيخ ـ ولم يتعرّض له أحد فيما أعلم ـ أنّ هذا الترخيص في التصرّف إنما هو على وجه التضمين، وكلّ منهما يضمّن صاحبه بالمسمّى، سواء كان أكثر من المثل أو القيمة أو أقل أو كانا متساويين، ولا يعقل أنْ يكون حديثُ السّلطنة هو الدّليل على هذا التضمين، لأن السّلطنة على المال أمر وجعل البدل عن المال أمر آخر.
فلا مناص من تصحيح هذا التضمين بالتمسّك بحديث: «المسلمون عند شروطهم» بأنْ يكون التضمين المذكور تقييداً للإباحة، والتقييد شأنه شأن الشروط، فيشمله الحديث المزبور، ويمكن أن يقال أيضاً بكون التضمين من العهود، فيشمله عموم قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أي بالعهود[1].
[1] واستدلّ بعض المحشّين ـ كالمحقّق الإيرواني(1) ـ بدليل حلّ التصرّف في مال الغير برضا صاحبه، بدعوى أنّ كلّ تصرّف يكون برضا المالك مشروعاً، لكنّ ظاهر ذلك الدّليل هو إناطة التصرّفات المشروعة برضاه، قال بعض مشايخنا: لو كان المراد أنّ كلّ تصرّف يشرع إن كان برضا المالك، لزم جواز اللّواط بالعبد بإباحة مولاه ورضاه بذلك.
وعلى الجملة، فإنه من الممكن تصحيح هذا التّضمين، لكنّ أدلّة شرائط البيع لا تجري في المعاطاة بناءً على هذا القول، لعدم كون الواقع بيعاً بل هو إباحة بعوض.
(1) حاشية الإيرواني: 83 .