الاستدلال بقوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)
هذا، ولم يستدل الشيخ هنا بآية الوفاء بالعقود، مع استدلاله بها على لزوم المعاطاة.
والحق، صحّة الاستدلال بها هنا كذلك، إذ ليس المراد من «العقد» فيها خصوص الإيجاب والقبول، لأن العقد أعم، يقال: عقد القلب، وعقد زيد الإحرام… إنّ العقد كما هو المتفاهم لغةً وعرفاً ما يقال له في الفارسيّة «پيوستگى» و«بستگى». وفي صحيحة عبد اللّه بن سنان في الآية: «أي العهود»(1)، وما يكون بين البائع والمشتري من هذا القبيل، إذ كلّ منهما يقرّر أنْ يكون ماله للآخر، وفي مقابله هو الإيقاع، فإنه الإيجاد.
ثمّ إنّ هذا العهد والإلتزام المعبّر عنه بالعقد، ينكشف باللّفظ تارةٌ وبالفعل أخرى، فكلّ منهما يكشف عن المراد. فالمعاطاة عقد يكشف عن الإرتباط بين البائع والمشتري، والوفاء بالعقد أو العهد أو النذر أو اليمين أو الوعد، معناه: ترتيب المقتضى على مقتضيه، ويقابله الخلف. وعليه، فالوفاء بالعقد ـ أي الارتباط بين البائع والمشتري في التمليك والتملّك ـ هو ترتيب الأثر والمقتضى على المواضعة الواقعة بينهما على ما حصل.
فتدلّ الآية المباركة على وجوب ترتيب الأثر على التمليك، سواء كان بالإيجاب والقبول أو المعاطاة، ووجوب الوفاء هذا ـ وإنْ كان تكليفيّاً مولويّاً لا وضعيّاً ـ إلاّ أنه يدلّ بالدلالة الالتزاميّة على إمضاء الشارع هذا المعنى الوضعي الحاصل بينهما وتحقّقه عنده، وإلاّ لم يعقل الحكم بالوفاء به.
فالاستدلال بهذه الآية أيضاً على إفادة المعاطاة للملكيّة، تام بلا إشكال[1].
[1] وبقي الكلام في وجه عدم استدلال الشيخ بالآية هنا مع استدلاله بها في مسألة لزوم المعاطاة كما سيأتي، وهو أنه لمّا استدلّ بها هناك قال: «إن الظاهر فيما نحن فيه قيام الإجماع على عدم لزوم المعاطاة، بل ادّعاه صريحاً بعض الأساطين في شرح القواعد» وعليه، فيكون الإجماع قرينةً منفصلةً على عدم شمول الآية للمعاطاة، فتسقط دلالة الآية على لزوم المعاطاة، وإذا سقطت الدّلالة المطابقيّة سقطت الدّلالة الالتزاميّة على صحّة المعاملة المعاطاتيّة، لِما تقرّر في محلّه من تبعيّة الدلالة الالتزاميّة للمطابقيّة.
لكنّ التحقيق: عدم ثبوت الإجماع المذكور، فعموم الآية أو إطلاقها بالنسبة إلى المعاطاة باق، والدلالتان محفوظتان.
(1) تفسير الصّافي 2 / 5.