الاستدلال بحديث السّلطنة
قوله:
وأمّا قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: النّاس مسلّطون على أموالهم، فلا دلالة فيه على المدّعى، لأنّ عمومه باعتبار أنواع السلطنة، فهو إنّما يجدي فيما إذا شك في أن هذا النوع من السّلطنة ثابتة للمالك وماضية شرعاً في حقّه أمْ لا؟… أمّا إذا… شك في أنّ هذا التمليك الخاص هل يحصل بمجرّد التعاطي مع القصد، أمْ لابدّ من القول الدالّ عليه، فلا… .
أقول:
وحاصل إشكاله: أن الحديث مسوق بإطلاقه لتشريع أنواع السّلطنة لا لدفع شرطيّة شيء يشك في دخله في تأثير نوع من أنواعها، فمع الشكّ في شرطيّة الإيجاب والقبول اللّفظيين في ترتّب الأثر على البيع، لا يجوز التمسّك به لرفع الشرط حتى تثبت سببيّة المعاطاة للتمليك.
وأشكل المحقق الخراساني بوجه آخر، فقال: وهذا في الحقيقة ردّ للاستدلال بالحديث لإفادة المعاطاة الملك، و ردّ على الشيخ في تجويزه التمسّك به لو شكّ في مشروعيّة نوع من أنواع السّلطنة(1).
وأشكل المحقق الرّشتي ـ على ما نقل عنه مقرّره الفاضل الإشكورى ـ بأنّ مقتضى الجمود على الظاهر هو التسلّط على التصرّف في موضوع المال، وإخراج المال عن الملكيّة والماليّة الثابتة للمالك ليس تصرّفاً في المال(2).
وحاصله: إنه مع التصرّف التمليكي وإيجاد الملكيّة للغير على ماله يكون الشيء ملكاً للغير، ولا يعقل أن يكون باقياً على ملكه، فلا يشمل الحديث هذا التصرّف، خلافاً للشّيخ.
ولبعض الأكابر إشكال آخر وهو: إن الملكيّة علّة للسّلطنة، فإذا كانت السّلطنة علّةً لزوال الملكيّة، لزم عليّة الشيء لعدم نفسه بالأخرة، وهو محال(3).
والتحقيق: صحّة التمسّك بالحديث، وذلك: لأن التسلّط عبارة عن التمكّن عن قهر ـ كما في المفردات ومجمع البحرين ـ(4)، فالسّلطنة هي القاهريّة، وكون الناس مسلَّطين على أموالهم معناه: أن زمام أمور أموالهم بأيديهم، ولا دخل لإرادة أحد في ذلك، حتى لو كان للمسلَّط عليه إرادة أيضاً، كانت إرادته مندكّة. هذا أوّلاً.
وثانياً: إن عنوان القاهريّة من الأمور الوضعيّة، والحديث في مقام جعله، لأنّ الظاهر في الخطابات الشرعيّة أن تكون تشريعيّة لا إخبارية، فالحديث مسوق لجعل هذا الأمر الوضعي.
وثالثاً: إنّ من آثار قاهريّته للمال أن يكون له نقله من وعاء إلى وعاء آخر مع حفظ ماليّته، ولازم انتقال الشيء من محلٍّ إلى آخر عدمه في المحلّ الأوّل، وحينئذ، فإن الأمر العدمي غير متأثر عن شيء وإنما هو لازم الأمر الوجودي، وهو الإنتقال إلى الغير، فلم يكن العدم معلولاً للسّلطنة.
ورابعاً: إنّ الإطلاق تارةً أفرادي، وأخرى أحوالي، فإذا قال: أكرم الإنسان، شمل بإطلاقه الإنسان بجميع أفراده وأصنافه من العربي والعجمي وغير ذلك، وبجميع أحواله من السفر والحضر والقيام والقعود وغير ذلك، لأنّ المفروض كون الموضوع طبيعي الإنسان، فإذا لم يشمل فرداً أو شمله ولم يشمل حالاً من أحواله، لزم الخلف.
وإذا عرفت هذه الأمور، ظهر لك معنى الحديث ودلالته على المدّعى، لأنه أفاد قاهريّة الناس لأموالهم، فلهم أن يملّكوها للغير، والمعاطاة تمليك كالبيع اللّفظي ـ غير أنه بالفعل ـ ومقتضى الإطلاق شمول الإمضاء الشرعي المدلول عليه بالحديث لكلا نحوي التمليك، ولا يعقل أن يكون مطلقاً بالنسبة إلى بعض الأنواع ولا يكون كذلك بالنسبة إلى أحوالها، كما لا يعقل تخصيصه بنوع دون نوع أو حال دون آخر.
وعليه، فلا يعقل أنْ لا يكون الحديث نافياً لشرطيّة شيء مشكوك في شرطيّته، نعم، ينفيه بالالتزام لا بالمطابقة، لأنّ التسلّط حكم وضعي مشروع متوجّه إلى جميع أنحاء التمليك، فيشمل التمليك المعاطاتي، لكونه في حيّز السّلطنة المجعولة للمالك، ولازم ذلك نفي شرطيّة كلّ شيء مشكوك في شرطيّته، ولا يعقل عدم نفيه لذلك.
هذا بالنسبة إلى إشكال الشيخ.
وأمّا ما ذكره المحقق الخراساني، فعجيب جدّاً، لأنّ المحجوريّة تكون تارةً للمالك، كما لو كان صغيراً أو مجنوناً، وأخرى: للملك كما لو كان وقفاً أو مرهوناً، ونفي الحجر يكون دائماً بنفي أسبابه وعلله، والحديث يثبت السلطنة، وأين هذا من الدلالة على نفي أسباب المحجوريّة؟
وأمّا ما ذكره المحقق الرشتي، ففيه: إنّ موضوعيّة الإضافة التي ذكرها، إنما هي للتسلّط لا للتصرّف، وهذا هو معنى الحديث. وحينئذ، فعدم الموضوع في آن التصرّف لا ينفي وجوده في آن التسلّط، فالموضوع حيث تكون السّلطنة محفوظ، والتصرّف بنقل المال من مكان إلى آخر من آثار السلطنة، وانعدام الإضافة في آن التصرّف لا يضرّ بتحقق السّلطنة.
وأمّا الإشكال الأخير، فالجواب عنه هو: إنه لا ريب في أن الموضوع ذا نسبة اقتضاء بالنسبة إلى الحكم، لأنه دخيل في الملاك أو هو تمام الملاك له، فالسّلطنة المجعولة إنما جعلت لكون المال ملكاً. وأيضاً: السلطنة هي شرط تأثير الملكية للغير، لكنّ ذلك لازم ارتفاع الملكيّة لا أن هذا الارتفاع مسبب عن السلطنة، إذ لا يعقل أنْ يكون الأمر العدمي مسبباً عن الأمر الوجودي، إنما العدم من لوازم الأمر الوجودي، فلا مانع من أن تكون الإضافة الملكيّة علّةً للسّلطنة المجعولة، وهي شرط لتأثير التمليك، لكن ملكيّة الغير الحاصلة بالسّلطنة لازمة لا مسببّة، فلم يكن عدم الشيء معلولاً للشيء، ونظير هذا كثير، مثلاً: مديونّية الإنسان تقتضي وجوب أداء الدين، ووجوب الأداء يقتضي الأداء، وبفعليّة الأداء تنتفي المديونيّة ولا محذور في ذلك.
وبالجملة، فإنّ «أموالهم» موضوع للسّلطنة، وشرطيّة السّلطنة لتأثير تمليك الغير بأنْ يكون لازمه انتفاء الإضافة الملكيّة لا مانع عنها[1].
[1] أقول: قد وقع الكلام بين الأعلام في الاستدلال بحديث السّلطنة على إفادة المعاطاة الملك ـ بعد قطع النّظر عن السّند لكونه مرسلاً(5) ـ ، فمنهم من قال بعدم دلالته على ذلك، ومنهم من قال بدلالته، واختلفت أنظارهم في وجه الإثبات والنّفي، فمن النافين: الشّيخ الأعظم، فإنه قال بعدم دلالته على المدّعى، لِما ذكره في المتن.
وقد وافقه الميرزا فقال: إنّ الإستدلال به لا يصحُّ على صحّة المعاطاة، لأن عمومه يدلّ على صحّة تصرّف المالك في ملكه بالبيع ونحوه، وأمّا أنه مسلّط في إيقاع البيع بأي لفظ يريد أو بأيّ فعل يشاء، فهذا أجنبي عن عمومه، فإذا توقّف وقوع البيع على إيجاده بأسباب خاصّة، فمقتضى السّلطنة على المال هو بيعه بأسبابه، بأنْ لا يكون ممنوعاً عن بيعه، لا تسلّطه في بيعه بغير تلك الأسباب، ولا أظنّ أحداً استدلّ به في المقام…(6).
والمحقّق الرشتي، وتبعه المحقق الإيرواني(7).
والمحقّق الخراساني وتبعه المحقق الخوئي(8) وبعض مشايخنا.
كلٌّ بوجه… .
وقد أجاب سيّدنا الجدّ عمّا ذكروه… .
كما أجاب عن وجه آخر، أورده المحقّقان الإصفهاني واليزدي، وأجاب عنه كذلك(9).
وسيّدنا الاستاذ قدّس سرّه ـ بعد أن وافق على القول بالدلالة ـ قال: نعم، هنا احتمال آخر، وهو أن يكون هذا الحديث بمعنى قوله عليه السلام: «لا يجوز لأحد أنْ يتصرّف في مال غيره إلاّ بإذنه» أي: إن الناس مسلّطون على أموالهم فقط، ولا سلطنة لهم على أموال غيرهم، فلا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلاّ بإذنه ـ وعلى هذا، ينتفي «الإمضاء» ولا دلالة للحديث على المدّعى، إذ لا يكون له إطلاق، لعدم كونه في مقام بيان أقسام التسلّط وأنواعه، بل هو مجرّد حكم حيثي(10).
أقول: والإنصاف أن بين الحديثين فرقاً واضحاً، أمّا الخبر: لا يحلّ… فلا إطلاق له أصلاً، لكنه في حديث السّلطنة متحقّق، وهو ظاهر في لحاظ النبي صلّى اللّه عليه وآله ـ بناء على صدوره ـ لانقسامات الموضوع، وحينئذ، لا يعقل لحاظه للإنقسامات النوعيّة وعدم لحاظ الانقسامات الصنفيّة والأحواليّة، فهو كما لو قال: اعتق رقبةً في الدلالة على الإطلاق من الناحيتين.
وذهب السيّد والمحقّق الإصفهاني والسيّد الجدّ إلى دلالة الحديث على المدّعى، كلّ بوجه:
فقال السيّد: الإنصاف تماميّة الدّلالة فيه أيضاً، لأنّ ظاهره إثبات سلطنتهم بأنواع السّلطنة على النحو المتداول بين العرف، فإذا كانت المعاطاة متداولةً بينهم في مقام البيع يشملها الحكم، مع أنه يمكن أن يقال إنها أحد الأنواع، إذ ليس المراد منها النوع المنطقي، بل أعمّ منه ومن الصنف، ومن ذلك يظهر أنه يمكن إثبات جواز إخراج المال عن الملكيّة بالإعراض إذا كان متداولاً بين الناس بناءً على الاختصاص، وإلاّ فلو قلنا إنّه أعم منه ومن غير المتداول، فالأمر أوضح(11).
وقال المحقّق الإصفهاني ما حاصله: إنّ الحديث مطلق من الناحيتين، إذ السّلطنة ليست إلاّ القدرة على التصرّفات المعاملية هنا المتحقّقة بترخيص الشارع تكليفاً أو وضعاً، فتحقّق بالترخيص تكليفاً القدرة على إيجادها بما هي عمل من الأعمال، وبالترخيص وضعاً وإنفاذ ما يتصدّى له ذو المال القدرة على المعاملة بما هي معاملة مؤثّرة في مضمونها، فالتصرّفات متعلّقات السّلطنة لا عينها وأنواعها. نعم، السّلطنة على البيع باعتبار تخصّصها بمتعلَّقها حصّة من طبيعي السّلطنة، وحيث عرفت أن البيع المتحقّق بالمعاطاة حصّة من طبيعي البيع، فالسّلطنة على هذه الحصّة من طبيعي السّلطنة، فلا يكون الإطلاق بلحاظ الكم فقط، بل يتضمّن الإطلاق بلحاظ الكيف أيضاً، لِما عرفت من أن السّلطنة تنتزع بلحاظ الترخيص التكليفي والوضعي معاً، بل الثاني أقوى الجهتين وأظهر الحيثيتين في المعاملات، فإذا كان الشارع في مقام الترخيص التكليفي والوضعي لذي المال وهو المحقق لحقيقة السّلطنة، فلا محالة تكون الأسباب إمّا ملحوظةً ابتداءً وبنفسها أو بتبع لحاظ المسبّبات المفروضة حصصاً، وبهذا الاعتبار لها نفوذ ومضي، كما هو مقتضى عبارته قدّس سرّه: ثابتة للمالك وماضيةً في حقّه شرعاً، ولا مضيّ ولا نفوذ إلاّ بملاحظة الأسباب، ولو من ناحية القيديّة المحصّصة للتمليك والمحصّصة للسّلطنة.
والظاهر من هذا الكلام جعل السّلطنة بالترخيص تكليفاً ووضعاً، لا مجرّد الإخبار بأنْ حقائق المعاملات للمالك في قبال عدمها، فإنه أجنبي عن عنوان السّلطنة المتقوّمة بالترخيص تكليفاً أو وضعاً(12).
وأورد عليه بعض مشايخنا ـ بعد أن أقرّ باندفاع كلام الشيخ الأعظم به ـ بأن: لازم الترخيص تكليفاً ووضعاً هو جواب شرب المالك العصير العنبي الذي غلا، سواء قبل ذهاب ثلثيه أو بعده، لأن ذلك مقتضى الإطلاق من الناحيتين، وليس دليل النهي عن شربه بمقيّد لهذا الإطلاق بصورة بعد ذهاب الثلثين، لأنّ دليل النهي أيضاً مطلق، لكون النهي عن الشرب أعمّ من أن يكون من المالك أو غيره، فتكون النسبة بينه وحديث السّلطنة العموم من وجه، وإذْ لا يمكن لدليل النهي التخصيص والتقييد، يلزم الفتوى بالجواز مطلقاً بقاعدة السّلطنة، وهو خلاف الضّرورة من المذهب.
لكنّ ما ذكره دام بقاه من الإطلاق والعموم لدليل النهي ممّا لا يمكن المساعدة عليه، إذْ لا معنى لأنْ يقال: شرب العصير العنبي الذي هو ملك للغير، أو شربه سواء كان ملكاً للشارب أو غيره، حرام إن لم يذهب ثلثاه، بل إنّ مثل هذا الدليل متوجّه من أوّل الأمر إلى المالك، لأنّ عدم جواز التصرّف في مال الغير مطلقاً مفروغ عنه.
ثم إنه اعترض على مسلك سيّدنا الجدّ في وجه الاستدلال: بأن الإطلاق مقيّد بأدلّة التجارة عن تراض، فكلّ تجارة كانت غير باطلة شرعاً فللناس السّلطنة عليها، فإنْ شك في أنّ الأمر الكذائي تجارة عن تراض أوْلا، كان من التمسّك بالعامّ في الشّبهة الموضوعيّة.
فإنْ قيل: المعاطاة تجارة عن تراض بلا إشكال.
قلنا: هذا رجوع من الاستدلال بالحديث إلى الآية المباركة.
أقول:
قد عرفت أنّ السيّد الجدّ يقول: بأن البيع مورد من موارد قاهريّة المالك بالنسبة إلى ملكه، فهذا النوع جائز له، وهذا ما اعترف به الشيخ أيضاً، ثم إنّ هذا النوع له إطلاق أحوالي، فيكون شاملاً للمعاطاة ويتمّ الاستدلال.
فإنْ قيل: لابدّ من إثبات أن المعاطاة أكلٌ للمال بالحق.
قلت: هذا ما أثبته رحمه اللّه سابقاً في ذيل الآية المباركة.
فإنْ قيل: إذن، يرجع الإستدلال إلى الآية.
قلت: لا يرجع، لأن الحديث يفيد أصل القاهريّة بجميع أنحائها، والآية تفيد أنه يعتبر في الأنحاء أنْ تكون حقّةً، والمفروض كون المعاطاة كذلك.
قوله:
وكيف كان، ففي الآيتين مع السّيرة كفاية. اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنهما لا تدلاّن على الملك، وإنمّا تدلاّن على إباحة جميع التصرّفات حتى المتوقفة على الملك… وأمّا ثبوت السيرة واستمرارها على التوريث فهي كسائر سيراتهم الناشئة عن المسامحة… فالأولى حينئذ التمسّك في المطلب: بأنّ المتبادر عرفاً من حلّ البيع صحته شرعاً… .
أقول:
حاصله: عدم تماميّة دلالة الآيتين على الملكيّة من أوّل الأمر، وعدم تماميّة السّيرة.
وقد ذكرنا أنّ الآيتين تدلاّن على الأمر الوضعي، وهو مؤثّرية البيع والتجارة.
فقد قلنا في آية الحلّ: أنها تفيد مؤثّرية البيع على كلّ تقدير، والمفروض أن المعاطاة بيع كما نصّ عليه الشيخ وغيره، فهي دالّة على أن المعاطاة توجب الملكيّة من أوّل الأمر.
وقلنا في آية التجارة: إن الأكل المنهي عنه كناية عن الأخذ للنفس، فلا يؤخذ المال للنفس إلاّ بالتجارة، فالتجارة مفيدة للملكيّة.
وأمّا السّيرة ـ والمراد منها السّيرة العقلائيّة لا سيرة المتشرعة ـ فلا ريب في انتهائها إلى زمن المعصوم ولا ردع عن هذه السّيرة.
فالاستدلال بالآيتين والسيرة تام بلا إشكال.
كما أن الاستدلال بحديث السّلطنة تام، والإشكالات مندفعة.
ولو تنزّلنا عن ذلك كلّه وقلنا: بأن المعاطاة تفيد الإباحة، فلا ريب في أنّ الإباحة حكم مترتب على التصرّفات، فكلّ تصرّف حتى المتوقف على الملك مباحٌ، ففي حين المعاطاة تجوز جميع التصرّفات وتباح للمالك، فإذا كانت الآيتان دالّتين على الإباحة، وقد أضيفت إلى كلّ واحد من التصرّفات التي ستقع على المال، ومنها البيع والعتق وغير ذلك، فقد دلّتا على التمليك. وكذا الكلام في حديث السّلطنة والسيرة العقلائيّة.
فالمعاطاة مملّكة.
قوله:
مع إمكان إثبات صحّة المعاطاة في الهبة والإجارة ببعض إطلاقاتهما[2]، وتتميمه في البيع بالإجماع المركّب.
[2] وهذه نصوصٌ من تلك الإطلاقات:
موثّقة سماعة: سألت عن رجل أعطى اُمّه عطيّةً فماتت وقد كانت قبضت الذي أعطاها وبانت به؟ قال عليه السّلام: «هو والورثة فيها سواء»(13).
وجه الإستدلال: أنّ «الإعطاء» إنْ لم يكن نصّاً في الإعطاء الفعلي الخارجي، فلا ريب في شموله له بإطلاقه، وإذا كان الأثر يترتّب على الهديّة الفعليّة، ففي البيع المعاطاتي كذلك بالإجماع المركّب.
ومكاتبة اليقطيني إلى أبي الحسن العسكري عليه السّلام في رجل دفع ابنه إلى رجل وسلّمه منه سنةً باُجرة معلومة ليخيط له، ثم جاء رجل فقال: سلّم ابنك منّي سنةً بزيادة، هل له الخيار في ذلك…؟ فكتب عليه السّلام: «يجب عليه الوفاء للأوّل ما لم يعرض لابنه مرض أو ضعف»(14).
فإذا كانت الإجارة نافذة بالدفع والتسليم، فكذلك البيع بالإجماع المركّب.
وعن الجرّاح المدائني: سألت أبا عبداللّه عليه السّلام عن عطيّة الوالد لولده، قال: «إذا أعطاه في صحّة جاز»(15).
فإن الإعطاء ظاهرٌ في الفعل إنْ لم يكن نصّاً.
وعن أبي عبداللّه عليه السّلام: في الرجل يعطي الثوب ليصبغه… فقال: «كلّ عامل أعطيته أجراً ليصلح فأفسد فهو له ضامن»(16).
والإنصاف: إن هذه العمومات قويّة جدّاً، ولا مجال لإخراج المعاطاة من تحتها، ولا يوجد مثلها في باب البيع، فلا يرد على الشيخ قول السيّد: بأنّ الاطلاق الموجود هناك موجود مثله في باب البيع، فلا حاجة إلى الإجماع المركّب(17)، ولذا قال السيّد الاستاذ في جوابه: لعلّ نظر الشيخ إلى وجود احتمالات اخر إلى جنب احتمال الإمضاء والصحّة الوضعيّة، وأمّا في الإجارة والهبة، فليس الإطلاق ظاهراً إلاّ في النفوذ والصحّة(18).
أقول:
هذا الاستدلال لا أثر له، لأنّ الإجماع المركّب فيه ما فيه[3].
[3] إذ لابدَّ من تتبّع كلماتهم للحصول على أنّ كلّ من قال بالمعاطاة في الهبة والإجارة فهو قائل بها في البيع، ومن إثبات حجيّة الإجماع، بأنْ يكون محصّلاً لا منقولاً، ولا يكون مستنداً إلى الأدلّة الموجودة.
(1) حاشية المكاسب: 12.
(2) بغية الطالب 1 / 56.
(3) حاشية المكاسب للمحقق الإصفهاني 1 / 111.
(4) المفردات في غريب القرآن: 238، مجمع البحرين 4 / 255.
(5) المكاسب والبيع 1 / 136.
(6) المكاسب والبيع 1 / 136.
(7) حاشية المكاسب: 77.
(8) مصباح الفقاهة 2 / 102.
(9) حاشية المكاسب 1 / 111 ـ 112، حاشية المكاسب 1 / 341 ـ 342.
(10) بلغة الطالب: 73.
(11) حاشية المكاسب 1 / 341.
(12) حاشية المكاسب 1 / 108 ـ 109.
(13) وسائل الشيعة 19 / 209، الباب 12 من أبواب الوقوف والصّدقات، الرقم: 6، 19 / 235، الباب 5 من أبواب الهبات، الرقم: 3.
(14) وسائل الشيعة 19 / 118، الباب 15 من أبواب الإجارة، الرقم: 1.
(15) وسائل الشيعة 19 / 245، البب 11 من أبواب الهبات، الرقم: 5.
(16) وسائل الشيعة 19 / 147، الباب 29 من أبواب الإجارة، الرقم: 19.
(17) حاشية المكاسب 1 / 344.
(18) بلغة الطالب: 73.