الإستدلال برواية: لا يحلّ مال امرئ
قوله:
ومنه يظهر جواز التمسّك بقوله عليه السّلام: لا يحلّ مال امرىء إلاّ عن طيب نفسه. حيث دلّ على انحصار سبب حلّ مال الغير أو جزء سببه في رضا المالك، فلا يحلّ بغير رضاه. وتوهّم: تعلّق الحلّ بمال الغير، وكونه مال الغير بعد الرجوع أوّل الكلام. مدفوع بما تقدم، مع أنّ تعلّق الحلّ بالمال يفيد العموم…
أقول:
الموجود في الأخبار: «لا يجوز لأحد أنْ يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» وفي رواية: «لا يحلّ لمؤمن مال أخيه إلاّ عن طيب نفس منه» وفي ثالثة: «لا يحلّ دم امرىء مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه»[1].
[1] في الكافي بسنده: «كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله عن الإذن في الخمس. فكتب إليه: بسم اللّه الرحمن الرحيم… لا يحلّ مالٌ إلاّ من وجه أحلّه اللّه»(1).
وفي الوسائل بسنده عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: «من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنه لا يحلّ دم امرئ مسلم أو ماله إلاّ بطيبة نفسه منه»(2).
وفي غوالي اللئالي مرسلاً: «المسلم أخو المسلم. لا يحلّ ماله إلاّ عن طيب نفسه منه»(3).
وفي تحف العقول مرسلاً: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: أيّها الناس، إنما المؤمنون إخوة ولا يحلّ لمؤمن مال أخيه إلاّ عن طيب نفس منه»(4).
وفي الإحتجاج عن صاحب الزمان عليه السّلام: «لا يحلّ لأحد أنْ يتصرّف في مال غيره بغير إذنه»(5).
ووجه الاستدلال ـ كما ذكر الشيخ ـ إن حليّة مال الشخص لغيره منوطة بطيب نفس صاحب المال، فليس للمالك الأوّل الرجوع في مال بدون طيب نفس الآخذ واسترجاعه منه: وليس الاستدلال بعموم الخبر بمعنى: أنّه لا يحلّ في جميع الحالات والأزمنة، حتى يقال: بأن التمسّك بالحديث مع الشك في بقاء الإضافة المالكيّة بعد رجوع المالك الأوّل، من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية، بل إنّ مفاد الخبر: انحصار سبب الحليّة بطيب النفس، وعليه، فليس للمالك الأوّل حليّة في المال إلاّ بطيب نفس الآخذ. وبعبارة أخرى: إذا حصلت المعاطاة وتحقّقت الإضافة الملكيّة للآخذ وكان مصداقاً لـ«مال امرىء»، كان رجوع المعطي تملّكاً للمال بدون رضا المالك. وقول الشيخ في دفع التوهّم: «مع أنّ…» معناه: عدم نفوذ التصرّف وعدم حليّة التملّك، فهو يعمّ الحكمين: الوضعي والتكليفي، فليس لأحد إخراج المال عن ملكيّة صاحبه.
أقول:
ليس المراد هو الحليّة اللغويّة، لتكون أعمّ من التصرّف والتملّك، لأنّ قوله عليه السّلام: لا يحلّ… قد وقع في حيّز الإنشاء، وهو إمّا إنشاء للحكم التكليفي أو إنشاء للحكم الوضعي، فالمراد أحد الحكمين، فإنْ كان الحكم التكليفي، عاد الإشكال، إذ التصرّف في مال الغير لا يجوز، والرجوع يخرج الملك عن كونه للغير، وإنْ كان الحكم الوضعي، تمّ الاستدلال، إلاّ أنه لا دليل على تعيّنه.
وبعبارة أخرى: إنّ الظاهر كون الاستدلال بما روي عن صاحب العصر عجّل اللّه فرجه من أنه «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف…» فإن كان المراد الجواز التكليفي، فهو أجنبي عن البحث، وإن كان المراد الجواز الوضعي ليدلّ على لزوم ما يشكّ في لزومه وجوازه، فلا إشكال فيه، لكن تردّد الخبر بين المعنيين مانع من الاستدلال.
وتلخّص: إنه لا يعمّ الحكمين، خلافاً للشيخ.
وقد يمكن توجيه الاستدلال بأنه: لا مجال مع إسناد عدم الحليّة والجواز إلى المال لتقدير لفظ التصرّف ونحوه، وعدم حليّة المال عبارة عن عدم تملّكه، فهو ظاهر في الحكم الوضعي بلا ترديد.
والإنصاف: أن الاستدلال بالخبر مشكل، لأنّه مبنيُّ على أن تكون الحليّة وضعيّة، مع أنّ التكليفية أيضاً مرادة يقيناً، فيكون اللّفظ الواحد مستعملاً في معنيين متباينين، وهو محال. هذا أوّلاً.
وثانياً: إن الحكم ـ وهو «لا يحلّ» ـ لا يكون حافظاً لموضوعه، وهو الإضافة المالكيّة المدلول عليها بقوله: «مال امرىء».
(1) وسائل الشيعة 9 / 539، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام، الرقم: 2.
(2) وسائل الشيعة 5 / 120، الباب 3 من أبواب مكان المصلّي، الرقم: 1.
(3) غوالي اللئالي 3 / 184، باب الجهاد، الرقم 9.
(4) وسائل الشيعة 5 / 120، الباب 3 من أبواب مكان المصلّي، الرقم: 3.
(5) وسائل الشيعة 24 / 234، الباب 69 من أبواب الأطعمة المحرّمة، الرقم 3.