الوصف الثاني: العقل
قال المحقق قدّس سرّه: «الثاني: كمال العقل، فلا تقبل شهادة المجنون إجماعاً. أما من يناله الجنون أدواراً، فلا بأس بشهادته في حال إفاقته، لكن بعد استظهار الحاكم بما يتيقن معه حضور ذهنه واستكمال فطنته»(1).
أقول: أما اعتبار كمال العقل في الشاهد وأنه لا تقبل شهادة المجنون، فلا يحتاج إلى إقامة الدليل عليه من الكتاب والسنّة والإجماع(2).
وكذا عدم قبول شهادة من يناله الجنون أدواراً في حال جنونه، لأنه كالمطبق، أما في حال إفاقته فلا مانع من قبول شهادته، لأنه في هذه الحالة كالعاقل، وتشمله أدلّة قبول الشهادة من الكتاب والسنّة، لكن قبول شهادته يكون بعد استظهار الحاكم بما يكشف عن حضور ذهنه واستكمال فطنته، وإلاّ طرح شهادته، بلا إشكال في ذلك كلّه وبلا خلاف كما في (الجواهر)(3).
وهل يكفي عدم الجنون في حال أداء الشهادة أو يشترط العقل في حال التحمّل كذلك؟ صرّح كاشف اللثام بالثاني(4)، وصاحب (الجواهر) بالأوّل(5)، لأن العدالة والضبط والتيقظ ترفع القدح فيه وإن كان قد تحمّلها في حال جنونه، مضافاً إلى تناول إطلاق أدلة قبولها له.
قلت: لكن الأوّل أولى، فإنه ليس حال هذا المجنون حال الصبي المميّز الذي تقبل شهادته لو أدّاها بالغاً، بل حاله حال الصبي غير المميز.
(1) شرائع الإسلام 4 : 126.
(2) ولئن كان ثمة اشكال في دلالة ما استدل به، من الكتاب والسنة، ففي الإجماع المصرّح به في كلام كثير من الأصحاب، محققاً ومنقولاً، وأنه يشترط في الشاهد العدالة كما سيأتي، وتحققها في غير العاقل غير معقول كما في المستند ، غنىً وكفاية.
وأما الاستدلال له بالسيرة العقلائية كما في مباني تكملة المنهاج ( ) فقد استشكل عليه في جامع المدارك ( ) بأن بعض الأشخاص له كمال الدقة والمتانة في بعض الامور وفي بعضها خارج عن طريق العقلاء، فمع الوثوق بالحفظ والضبط والاحتراز عن الكذب ، بحيث يكون سكون النفس الحاصل من إخباره أقوى من السكون الحاصل من قول كثير من العقلاء العدول ، الظاهر أن بناء العقلاء على الاعتماد بأخباره.
قلت: الظاهر خروج من ذكره عن بناء العقلاء كما ذكر. لكن الكلام في المجنون المطبق.
(3) جواهر الكلام 4 : 15.
(4) كشف اللثام 10 : 272.
(5) جواهر الكلام 41 : 15.